إن كان متمكنا من ذلك فلا بد من الإجابة ولو بالقصد ، ثم قال - * ( وكُنْتُ عَلَيْهِمْ ) * - ولم يقل على نفسى معهم ، كما قال - * ( رَبِّي ورَبَّكُمْ ) * - * ( شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ ) * - لأن الأنبياء شهداء على أممهم ما داموا فيهم - * ( فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي ) * - أي رفعتني إليك وحجبتهم عنى وحجبتني عنهم - * ( كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ) * - في غير مادتي بل في موادهم إذ كنت بصرهم الذي يقتضي المراقبة فشهود الإنسان نفسه شهود الحق إياه ، وجعله باسم الرقيب لأنه جعل الشهود له ) أي لنفسه فعظم الله ونزهه عن أن يشاركه في الاسم أدبا بعين شهودهم أنفسهم بالحق ( فأراد أن يفصل بينه وبين ربه حتى يعلم أنه هو لكونه عبدا ، وأن الحق هو الحق لكونه ربا له ، فجاء لنفسه بأنه شهيد وفي الحق بأنه رقيب ، وقدمهم في حق نفسه فقال - * ( عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ ) * - إيثارا لهم في التقدم وأدبا ) لأن الحق في أنفسهم شهيدا عليهم أيضا ومع الحق فإن التقدم يفيد الاختصاص : أي كنت عليهم خاصة شهيدا دون غيرهم ، لأنه ليس في وسعي الشهادة على جميع الأمم ، فما كنت شهيدا إلا على ما أشهدتنى عليه ، وأما أنت فكنت أنت الرقيب عليهم ، وعلىّ وعلى كل شيء ( وأخرهم في جانب الحق عن الحق في قوله - * ( أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ) * - لما يستحقه الرب من التقدم بالرتبة ) ومن الرقبة على كل أحد كما ذكر . ( ثم اعلم أن للحق الرقيب الذي جعله عيسى لنفسه وهو الشهيد في قوله - * ( عَلَيْهِمْ شَهِيداً ) * - فقال - * ( وأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) * - فجاء بكل العموم وبشيء لكونه أنكر النكرات ، وجاء بالاسم الشهيد فهو الشهيد على كل مشهود بحسب ما تقتضيه حقيقة ذلك المشهود ) ففرق بين الشهادة وأيضا بينه وبين ربه بأن خصص شهادته بأنها عليهم خاصة دون غيرهم ، وعمم شهادة الحق كل شيء ( فنبه على أنه تعالى هو الشهيد على قوم عيسى حين قال - * ( وكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ ) * - فهي شهادة الحق في مادة عيسوية ، كما ثبت أنه لسانه وسمعه وبصره ، ثم قال : كلمة عيسوية ومحمدية أما كونها عيسوية فإنه قول عيسى بإخبار الله عنه في كتابه ، وأما كونها محمدية فلوقوعها من محمد صلى الله عليه وسلم بالمكان الذي وقعت منه ) أي لعلو شأنها ورفعة مكانها عنده ( فقام بها ليلة كاملة يرددها لم يعدل إلى غيرها حتى طلع الفجر - * ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) * - وهم ضمير الغائب ، كما أن هو : ضمير الغائب ، كما قال - * ( هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) * - بضمير الغائب فكان الغيب سترا لهم عما يراد بالمشهود الحاضر فقال - * ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ ) * - بضمير