قوله من كل جانب ، وتلك الفتوح إما ملائمة أو غير ملائمة بمقتضى عينه ، وذلك أن الداعي في الحياة الدنيا وفي الآخرة تأتيه فتوحه بما لاءم ، لأنه في مقام الرضا لا يريد إلا ما يريد الله به ، وإن كان في مقام السلوك شكر على النعماء وصبر على البلاء فيكون ملائما من وجه ، لأن الابتلاء يظهر فضيلته وفي الآخرة يكون مجازاته حسن الثواب وأما المدعو فإن أجاب الداعي بما يلائم وأطاعه وسلك طريقه وسار على سبيله وسيرته فتح له باب المجازاة بما يلائم ، وإن أجابه بما الا يلائم وخالفه بالكفر والعصيان فتح له باب المجازاة بما لا يلائم ، وقد تظهر أمور من الغيب هاهنا لكلا الفريقين ملائمة وغير ملائمة ، لا يعرف بليتها والاطلاع على سر الغيب إنما هو للحق ، وقد يطلع على بعضه من شاء من عباده . ( اعلم وفقك الله أن الأمر مبنى في نفسه على الفردية ، ولها التثليث فهو من الثلاثة فصاعدا ، فالثلاثة أول الأفراد ) يعنى أن الأمر الإيجادى في نفسه مبنى على الفردية ، والفردية من خواص العدد وما لم يتعدد الواحد الذي هو منشأ العدد ومبدؤه بالتثنية لم تحصل الفردية ، والواحد ليس بعدد إذ ليس فيه كثرة فليس بفرد ولا زوج ، لأن الفردية باعتبار الانقسام ولكن لا بمتساويين والواحد غير منقسم ، ولو فسرنا الفردية بعدم الانقسام بمتساويين كان الفرد أعم من العدد ، لأنه يشمل الواحد بهذا المعنى فلم يكن من خواصه ، ولكن الفردية معناها الانفراد عن الغير فلا بد فيها من اعتبار معنى الغير في مفهومها بخلاف الواحد ، إذ لا يتوقف معناه على تصور الغير فلا بد للتعدد من الشفعية ولا بد في الإيجاد من الفردية ، لبقاء معنى التأثير الذي للواحد الأصل فيه أولا وآخرا ، وإنما كان التثليث هو الأصل في الإيجاد ، لأن الإيجاد مبنى على العلم ولا بد للعلم من عالم ومعلوم فثبت التثليث الذي للفردية ، فالثلاثة أول الإفراد كما قال : وإنما قلنا إنها مسبوقة بالشفعية لأن الفاعل ما لم يكن له قابل لم يؤثر ، فإن التأثير يقتضي منتسبين : فالعالم هو ذات الفاعل والفاعل ظله من حيث الفاعلية ، والقابل ظل المعلوم والتأثير ظل العلم ، فظهر من هذا الاعتبار التعين الأول ( وعن هذه الحضرة الإلهية وجد العالم ) بعد تعددها بالعلم ، فإن حضرة الذات ما لم يتعدد باعتبار العالمية لم يسم الحضرة الإلهية ( فقال تعالى - * ( إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناه أَنْ نَقُولَ لَه كُنْ فَيَكُونُ ) * - فهذه ذات ذات إرادة وقول ، فلو لا هذه الذات وإرادتها وهي نسبة التوجه بالتخصيص لتكوين أمر ما ، ثم قوله عند ذلك التوجه كن لذلك الشيء ما كان ذلك الشيء ) لا شك أن الإرادة والقول إنما يكونان بعد العلم ، فإن الشيء الذي تتعلق بوجوده الإرادة يخاطب بالقول هو المعلوم ، فالإرادة والقول من الحضرة الإلهية بعد تعينها بالعلم ، ثم المبادي المقتضية بوجود