ثم إن الإنسان إذا رأى جزئيات متعددة وقاس بعضها إلى بعض ، فوجدها تشترك في صفة واحدة انتزع منها صورة مفهوم شامل ينطبق على كل واحد منها . وهذا المفهوم الشامل أو الصورة المنتزعة هو " المفهوم الكلي " ويصح تعريفه بأنه المفهوم الذي لا يمتنع صدقه على أكثر من واحد . مثل مفهوم : إنسان ، حيوان ، معدن ، أبيض ، تفاحة ، حجر ، عالم ، جاهل ، جالس في الدار ، معترف بذنبه . تكملة تعريف الجزئي والكلي : لا يجب أن تكون أفراد الكلي موجودة فعلا ، فقد يتصور العقل مفهوما كليا صالحا للانطباق على أكثر من واحد من دون أن ينتزعه من جزئيات موجودة بالفعل ، وإنما يفرض له جزئيات يصح صدقه عليها ، بل قد يمتنع وجود حتى فرد واحد له ، مثل مفهوم " شريك الباري " ومفهوم " اجتماع النقيضين " . ولا يضر ذلك في كليته . وقد لا يوجد له إلا فرد واحد ويمتنع وجود غيره ، مثل مفهوم " واجب الوجود " ، لقيام البرهان على ذلك ، ولكن العقل لا يمنع من فرض أفراد لو وجدت لصدق عليها هذا المفهوم . ولو كان مفهوم " واجب الوجود " جزئيا لما كانت حاجة إلى البرهان على التوحيد ، وكفى نفس تصور مفهومه لنفي وقوع الشركة فيه . وعليه فهذا الانحصار في فرد واحد إنما جاء من قبل أمر خارج عن نفس المفهوم ، لا أن نفس المفهوم يمتنع صدقه على أفراد كثيرة . إذا بمقتضى هذا البيان لا بد من إضافة قيد " ولو بالفرض " في تعريفي الجزئي والكلي ، فالجزئي : مفهوم يمتنع صدقه على كثير ولو بالفرض ، والكلي : لا يمتنع . . . ولو بالفرض [1] .
[1] قيد " بالفرض " في تعريف الجزئي للاحتراز عن مثل الواجب الوجود وفي تعريف الكلي لإدخاله ، فلولاه لم يكن تعريف الجزئي مانعا ، ولا تعريف الكلي جامعا .