وعلى هذا ، فهو إن [1] كان شبيها بالبرهان سمي " سفسطائيا " وصناعته " سفسطة " . وإن كان شبيها بالجدل سمي " مشاغبيا " وصناعته " مشاغبة " . وسبب كل من السفسطة والمشاغبة لا يخلو عن أحد شيئين : إما الغلط حقيقة من القائس ، وإما تعمد تغليط الغير وإيقاعه في الغلط مع انتباهه إلى الغلط . وعلى كل منهما يقال له [2] : " مغالط " وقياسه " مغالطة " باعتبار أنه في كلا الحالين يكون ناقضا لوضع ما . وعلى هذا ف " المغالطة " التي نعنيها هنا تشمل القسمين : الغلط وتعمد التغليط . ومن أجل ذلك الاعتبار - أي : اعتبار نقضه لوضع ما - قيل له : " تبكيت مغالطي " وإن كان في الحقيقة تضليلا لا تبكيتا ، كما قد يقال له بحسب غرض آخر : " امتحان " أو " عناد " كما سيأتي . واعلم أن سبب وقوع تلك المواد في القياس الذي يصح جعله قياسا هو رواجها على العقول . وسبب الرواج مشابهتها للحق أو المشهور . ولا تروج على العقول فيشتبه عليها الحال لولا قلة التمييز وضعف الانتباه ، فيخلط الذهن بين المتشابهين ويجعل الحكم الخاص بأحدهما للآخر من غير أن يشعر بذلك ، سواء كان قلة التمييز والخلط من قبل نفس القائس أومن قبل المخاطب ، إذ يروج عليه ذلك . وهذا نظير ما لو وضع الحاسب أحد العددين مكان الآخر لمشابهة بينهما فيشتبه عليه ، فيقع له الغلط في الحساب بجمع أو طرح أو نحوهما . مثلا : لو أن أحدا تمثل في ذهنه معنى من معاني المشترك في موضع معنى آخر له وهو غافل عن استعماله في المعنى الآخر ، فلا محالة يعطي للمعنى الذي تمثله الحكم المختص بذلك المعنى الآخر ، فيغلط . وقد يتعمد ذلك ليوقع بالغلط غيره من قليلي التمييز .
[1] راجع شرح الشمسية : ص 170 . [2] راجع شرح الشمسية : ص 169 .