وهكذا يجب أن يكون ، فإن للوزن أعظم الأثر في التخييل وانفعالات النفس ، لأن فيه من النغمة والموسيقى ما يلهب الشعور ويحفزه ، وما قيمة الموسيقى إلا بالتوقيع على وزن مخصوص منظم . بل القافية كالوزن في ذلك وإن جاءت بعده في الدرجة . ومن الواضح : أن الشعر الموزون المقفى يفعل في النفوس ما لا يفعله الكلام المنثور ، سواء كان هذا الفرق بسبب العادة ، إذ الوزن صار مألوفا عند العرب وشبههم وتربى لديهم ذوق ثان غير طبيعي ، أم - على الأصح - كان بسبب تأثر النفس بالوزن والقافية بالغريزة كتأثرها بالموسيقى المنظمة بلا فرق . والعادة ليس شأنها أن تخلق الغرائز والأذواق ، بل تقويها وتشحذها وتنميها . بل حتى الكلام المنثور المقفى والمزدوج المعادلة جمله بدون أن يكون له وزن شعري له وقع على النفوس ويهزها ، كما سبق الكلام عليه في توابع الخطابة . نعم المبالغة في التسجيع الذي يبدو متكلفا به - على النحو الذي ألفته القرون الإسلامية الأخيرة - أفقدت الكلام رونقه وتأثيره . وعلى هذا ، فالوزن والقافية يجب أن يعتبرا من أجزاء الشعر ومقوماته ، لا من محسناته وتوابعه ، ما دام المنطقي إنما يهمه من الشعر هو التخييل ، وكل ما كان أقوى تأثيرا وتصويرا كان أدخل في غرضه . ويصح - على هذا - أن يعد الوزن والقافية من قبيل " الأعوان " نظير التي ذكرناها في الخطابة . أما " العمود " فهو نفس القضايا المخيلات . فكما تنقسم أجزاء الخطابة إلى عمود وأعوان ، فكذلك الشعر . نعم ، إن الكلام المنظوم المقفى إذا لم يشتمل على التصوير والتخييل لا يعد من الشعر عند المناطقة ، فلا ينبغي أن يسمى المنظوم في المسائل العلمية أو التأريخية المجردة مثلا شعرا وإن كان شبيها به صورة . وقد يسمى شعرا عند العرب ، أو بالأصح عند المستعربين .