السبب إلا رسوخ العلاقة بين الشيئين في الذهن . وهذه العلاقة الذهنية أيضا لها سبب ، وسببها العلم بالملازمة بين الشيئين خارج الذهن . ولاختلاف هذه الملازمة من كونها ذاتية أو طبعية أو بوضع واضع وجعل جاعل قسموا الدلالة إلى أقسام ثلاثة : عقلية وطبعية ووضعية . 1 - الدلالة العقلية : وهي فيما إذا كان بين الدال والمدلول ملازمة ذاتية [1] في وجودهما الخارجي ، كالأثر والمؤثر . فإذا علم الإنسان - مثلا - أن ضوء الصباح أثر لطلوع قرص الشمس ورأى الضوء على الجدار ينتقل ذهنه إلى طلوع الشمس قطعا ، فيكون ضوء الصبح دالا على الشمس دلالة عقلية . ومثله إذا سمعنا صوت متكلم من وراء جدار فعلمنا بوجود متكلم ما . 2 - الدلالة الطبعية : وهي فيما إذا كانت الملازمة بين الشيئين ملازمة طبعية ، أعني : التي يقتضيها طبع الإنسان [2] . وقد يتخلف ويختلف باختلاف طباع الناس ، لا كالأثر بالنسبة إلى المؤثر الذي لا يتخلف ولا يختلف . وأمثلة ذلك كثيرة ، فمنها : اقتضاء طبع بعض الناس أن يقول : " آخ " عند الحس بالألم ، و " آه " عند التوجع ، و " اف " عند التأسف والتضجر . ومنها : اقتضاء طبع البعض أن يفرقع أصابعه أو يتمطى عند الضجر والسأم ، أو يعبث بما يحمل من أشياء أو بلحيته أو بأنفه أو يضع إصبعه بين أعلى اذنه وحاجبه عند التفكير ، أو يتثاءب عند النعاس . . . فإذا علم الإنسان بهذه الملازمات فإنه ينتقل ذهنه من أحد المتلازمين إلى الآخر ، فعندما يسمع بكلمة " آخ " ينتقل ذهنه إلى أن متكلمها يحس بالألم ، وإذا رأى شخصا يعبث بمسبحته يعلم بأنه في حالة تفكير . . . وهكذا .
[1] ولا تتحقق إلا بين العلة والمعلول أو بين معلولي علة واحدة . [2] فيحدث الدال عند عروض المدلول من دون قصد وإرادة ، كما في كل فاعل بالطبع .