القضية ويعترف بذلك الجميع ويكون الحكم مقبولا لدى كل أحد . ثم إنا أشرنا في بحث " المشهورات " أن للشهرة أسبابا توجبها ، وذكرنا أقسام المشهورات حسب اختلاف أسباب الشهرة ، فراجع . والسر في كون الشهرة لا تستغني عن السبب أن شهرة المشهور ليست ذاتية ، بل هي أمر عارض ، وكل عارض لابد له من سبب . وليست هي كحقية الحق التي هي أمر ذاتي للحق لا تعلل بعلة . وسبب الشهرة لابد أن يكون أمرا تألفه الأذهان وتدركه العقول بسهولة ، ولولا ذلك لما كان الحكم مقبولا عند الجمهور وشايعا بينهم . وعلى هذا يتوجه علينا سؤال ، وهو : إذا كانت الشهرة لا تستغني عن السبب فكيف جعلتم المشهورات من المبادئ الأولية ؟ أي : ليست مكتسبة . والجواب : أن سبب حصول الشهرة لوضوحه لدى الجمهور تكون أذهان الجمهور غافلة عنه ولا تلتفت إلى سر انتقالها إلى الحكم المشهور ، فيبدو لها أن المشهورات غير مكتسبة من سبب ، كأنها من تلقاء نفسها انتقلت إليها ، وإنما يعتبر كون الحكم مكتسبا إذا صدر الانتقال إليه بملاحظة سببه . وهذا من قبيل القياس الخفي في المجربات والفطريات التي قياساتها معها ، على ما أوضحناه في موضعه ، فإنها مع كونها لها قياس - وهو السبب الحقيقي لحصول العلم بها - عدوها من المبادئ غير المكتسبة ، نظرا إلى أن حصول العلم فيها عن سبب خفي غير ملحوظ للعالم ومغفول عنه ، لوضوحه لديه . ثم لا يخفى أنه ليس كل ما يسمى " مشهورا " هو من مبادئ الجدل ، فإن الشهرة تختلف بحسب اختلاف الأسباب في كيفية تأثيرها في الشهرة . وبهذا الاعتبار تنقسم المشهورات إلى ثلاثة أقسام : 1 - المشهورات الحقيقية ، وهي التي لا تزول شهرتها بعد التعقيب والتأمل فيها .