فتتألف بالقياس إلى كل وضع طائفتان : طائفة تناصره وتحافظ عليه ، واخرى تريد نقضه وهدمه وينجر ذلك إلى المناظرة والجدال في الكلام ، فيلتمس كل فريق الدليل والحجة لتأييد وجهة نظره وإفحام خصمه أمام الجمهور . والبرهان سبيل قويم مضمون لتحصيل المطلوب ، ولكن هناك من الأسباب ما يدعو إلى عدم الأخذ به في جملة من المواقع واللجوء إلى سبيل آخر ، وهو سبيل الجدل الذي نحن بصدده . وهنا تنبثق الحاجة إلى الجدل ، فإنه الطريقة المفيدة بعد البرهان . أما الأسباب الداعية إلى عدم الأخذ بالبرهان ، فهي أمور : 1 - إن البرهان واحد في كل مسألة لا يمكن أن يستعمله كل من الفريقين المتنازعين ، لأن الحق واحد على كل حال ، فإذا كان الحق مع أحد الفريقين فإن الفريق الآخر يلتجئ إلى سبيل الجدل لتأييد مطلوبه . 2 - إن الجمهور أبعد ما يكون عن إدراك المقدمات البرهانية إذا لم تكن من المشهورات الذايعات بينهم . وغرض المجادل - على الأكثر - إفحام خصمه أمام الجمهور فيلتجئ هنا إلى استعمال المقدمات المشهورة بالطريقة الجدلية وإن كان الحق في جانبه ويمكنه استعمال البرهان . 3 - إنه ليس كل أحد يقوى على إقامة البرهان أو إدراكه فيلتجئ المنازع إلى الجدل ، لعجزه عن البرهان ، أو لعجز خصمه عن إدراكه . 4 - إن المبتدئ في العلوم قبل الوصول إلى الدرجة التي يتمكن فيها من إقامة البرهان على المطالب العلمية يحتاج إلى ما يمرن ذهنه وقوته العقلية على الاستدلال على المطالب بطريقة غير البرهان ، كما قد يحتاج إلى تحصيل القناعة والاطمئنان إلى تلك المطالب قبل أن يتمكن من البرهان عليها . وليس له سبيل إلى ذلك إلا سبيل الجدل . وبمعرفة هذه الأسباب تظهر لنا قوة الحاجة إلى الجدل ونستطيع أن