غير أنه يمكن أن نعلم أن " الجامع " - أي : جهة المشابهة - علة تامة لثبوت الحكم في الأصل ، وحينئذ نستنبط على نحو اليقين أن الحكم ثابت في الفرع لوجود علته التامة فيه ، لأنه يستحيل تخلف المعلول عن علته التامة . ولكن الشأن كله إنما هو في إثبات أن الجامع علة تامة للحكم ، لأنه يحتاج إلى بحث وفحص ليس من السهل الحصول عليه حتى في الأمور الطبيعية . والتمثيل من هذه الجهة يلحق بقسم الاستقراء المبني على التعليل الذي أشرنا إليه سابقا ، بل هو نفسه [1] . أما إثبات أن الجامع هو العلة التامة لثبوت الحكم في المسائل الشرعية ، فليس لنا طريق إليه إلا من ناحية الشارع نفسه ، ولذا لو كانت العلة منصوصا عليها من الشارع فإنه لا خلاف بين الفقهاء جميعا في الاستدلال بذلك على ثبوت الحكم في الفرع ، كقوله ( عليه السلام ) : " ماء البئر واسع لا يفسده شئ . . . لأن له مادة " [2] فإنه يستنبط منه أن كل ماء له مادة - كماء الحمام وماء حنفية الإسالة - فهو واسع لا يفسده شئ . وفي الحقيقة : إن التمثيل المعلوم فيه أن الجامع علة تامة يكون من باب القياس البرهاني المفيد لليقين ، إذ يكون فيه الجامع حدا أوسط والفرع حدا أصغر والحكم حدا أكبر ، فنقول في مثال الماء : 1 - ماء الحمام له مادة . 2 - وكل ماء له مادة واسع لا يفسده شئ ( بمقتضى التعليل في الحديث ) ينتج : ماء الحمام واسع لا يفسده شئ . وبهذا يخرج عن اسم التمثيل واسم القياس باصطلاح الفقهاء الذي كان محل الخلاف عندهم .
[1] وهو يصرح بعد أسطر أنه في الحقيقة قياس ، فيعلم من ذلك : أن الاستقراء المبني على التعليل أيضا في الحقيقة قياس ، كما ذهبنا إليه هناك . [2] الوسائل 1 : 126 ، الباب 14 من أبواب الماء المطلق ، الحديث 6 .