الذي لا يتوقع صوت الرعد عند مشاهدة البرق في السحاب ؟ ومن ذا الذي لا يستنبط أن النوم يجم القوى ، وأن الحجر يبتل بوضعه في الماء ، وأن السكينة تقطع الأجسام الطرية ؟ وقد نحكم على شخص بأنه كريم لأنه يشبه في بعض صفاته كريما نعرفه ، أو نحكم على قلم بأنه حسن لأنه يشبه قلما جربناه . . . وهكذا إلى آلاف من أمثال هذه الاستنتاجات تمر علينا كل يوم . وفي الحقيقة أن هذه الاستنتاجات الواضحة التي لا يخلو منها ذو شعور ترجع كلها إلى أنواع الحجة المعروفة التي نحن بصدد بيانها ، ولكن على الأكثر لا يشعر المستنبط أنه سلك أحد تلك الأنواع وإن كان من علماء المنطق . وقد تعجب لو قيل لك : إن تسعة وتسعين في المائة من الناس هم منطقيون بالفطرة من حيث لا يعلمون . ولما كان الإنسان - مع ذلك - يقع في كثير من الخطأ في أحكامه ، أو يتعذر عليه تحصيل مطلوبه لم يتسغن عن دراسة الطرق العلمية للتفكير الصحيح والاستدلال المنتج . والطرق العلمية للاستدلال - عدا طريق الاستدلال المباشر الذي تقدم البحث عنه - هي ثلاثة أنواع رئيسة : 1 - القياس : وهو أن يستخدم الذهن القواعد العامة [1] المسلم بصحتها في الانتقال إلى مطلوبه [2] . وهو العمدة في الطرق .
[1] لا يخفى عليك : أن الذي يكون قوام القياس إنما هي قاعدة عامة واحدة ، إذ لا يشترط في قياس كلية جميع مقدماته ، وإنما الواجب كلية إحدى مقدمتيه ، في كل قياس بسيط . والمركب ينحل إليه . [2] سواء كان مطلوبه حكما كليا أم جزئيا . فلا اعتبار بما يقال : من أن القياس سير من الكلي إلى الجزئي ، فإن قولنا " كل إنسان متعجب ، وكل متعجب ضاحك " قياس وينتج حكما كليا .