ولذلك يلتجئ هذا الإنسان - الذي فيه مركب النقص - إلى أن يلتمس طرق الحيل والمغالطات عند مواجهة أهل العلم ، ليظهر أمام الناس بمظهر العالم القدير ، فيجهد نفسه في تحصيل أصول المغالطة وقواعدها ، لتكون له ملكة ذلك والقدرة على المصاولة الخادعة . ولم يدر - هذا المسكين - أن الالتجاء إلى الرياء والتظاهر كالالتجاء إلى التكبر ونقد الناس تعبير صارخ عن نقصه الكامن في الوقت الذي يريد فيه - خداعا لنفسه - أن يستر على نقصه ويظهر بالكمال . أعاذنا الله تعالى من الأباطيل والأحابيل ! وهدانا الصراط المستقيم . - 3 - فائدة هذه الصناعة ومع كل ما قلناه ، فإن لصناعة المغالطة فائدة لا يستهان بها لدى أهل العلم ، وذلك من ناحيتين : 1 - إنه بها قد يتمكن الباحث من النجاة من الوقوع في الغلط ويحفظ نفسه من الباطل ، لأنه إذا عرف مواقع المغالطة ومداخلها يعرف الطريق إلى الهرب من الغلط والاشتباه . 2 - إنه بها قد يتمكن من مدافعة المغالطين وكشف مداخل غلطهم . وعلى هذا ففائدة الباحث من تعلم صناعة المغالطة كفائدة الطبيب في تعلمه للسموم وخواصها ، فإنه يتمكن بذلك من الاحتراز منها ، ويستطيع أن يأمر غيره بالاحتراز ويداوي من يتناولها . ثم لهذه الصناعة فائدة أخرى ، وهي أن يقدر بها على مغالطة المغالط ومقابلة المغالطين المشعوذين بمثل طريقتهم ، كما قيل في المثل المشهور : " إن الحديد بالحديد يفلح " ( 1 ) .
الفلح بفتحتين : الشق ومنه الفلاح للحراث الذي يشق الأرض .