الأفراد غير المهذبة التي تتغلب عليها العاطفة أكثر من التبصر . والخلاصة : ان التصوير والتخييل مؤثر في النفس وإن كان كاذبا بل - وقد سبق - كلما كانت الصورة أبعد وأغرب كانت أبلغ أثرا في إعجاب النفس والتذاذها . وأحسن مثال لذلك : قصص ألف ليلة وليلة ، وكليلة ودمنة ، والقصص في الأدب الحديث . والسبب الحقيقي لانفعال النفس بالقضايا المخيلات الاستغراب الذي يحصل لها بتخييلها ، على ما أشرنا إليه فيما تقدم . ألا ترى أن المضحكات والنوادر عند أول سماعها تأخذ أثرها في النفس من ناحية اللذة والانبساط أكثر مما لو تكررت وألفت الآذان سماعها . بل قد تفقد مزيتها وتصبح تافهة باهتة لا تهتز النفس لها . بل قد يؤثر تكرارها الملل والاشمئزاز . وإذا قيل في بعض الشعر : أنه " هو المسك ما كررته يتضوع " فهو من مبالغات الشعراء . وإذا صح ذلك فيمكن ذلك لأحد وجهين : الأول أن يكون فيه من المزايا والنكات ما لا يتضح لأول مرة أولا يتمثل للنفس جيدا ، فإذا تكررت قراءته استمري أكثر وانكشفت مزاياه بصورة أجلى فتتجدد قيمته بنظر المستمع . الثاني ان عذوبة اللفظ وجزالته لا تفقد مزيتها بالتكرار ، وليست كالتخييل . هل هناك قاعدة للقضايا المخيلات ؟ قد تقدم أن قوام الشعر بثلاثة أمور : الوزن ، والألفاظ ، والمعاني المخيلة . فلابد لمن يريد أن يتقن صناعة الشعر من الرجوع إلى القواعد التي تضبط هذه الأمور ، فنقول : أما الوزن والألفاظ : فلها قواعد مضبوطة في فنون معروفة يمكن الرجوع إليها ، وليس في علم المنطق موضع ذكرها ، لأن المنطق إنما يهمه النظر في الشعر من ناحية تخييلية فقط .