وبمثل هذا يكون التعبير تخييلا مستغربا وصورة خيالية قد تشبه المحال ، فتجلب الانتباه وتثير الانفعال لغرابتها . وكلما كانت الصورة الخيالية غريبة بعيدة تكون أكثر أثرا في التذاذ النفس وإعجابها ، ولذا نقول : إن الشعر كلما كان مغرقا في الكذب في المراد الاستعمالي بذلك المعنى من الكذب كان أكثر عذوبة . وهذا معنى " أكذبه أعذبه " لا كما ظنه بعض من لا قدم له ثابتة في المعرفة . على أن التخييل وإن كان كاذبا حقيقة - أي : في مراده الجدي أيضا - فإنه يأخذ أثره من النفس ، كما سنوضحه في البحث الآتي : القضايا المخيلات وتأثيرها : ونزيد على ما تقدم ، فنقول : إن المخيلات ليس تأثيرها في النفس من أجل أنها تتضمن حقيقة يعتقد بها ، بل حتى لو علم بكذبها فإن لها ذلك التأثير المنتظر منها ، لأنه ما دام أن القصد منها هو التأثير على النفوس في إحساساتها وانفعالاتها فلا يهم ألا تكون صادقه ، إذ ليس الغرض منها الاعتقاد والتصديق بها . والجمهور والنفوس غير المهذبة تتأثر بالمخيلات أكثر من تأثرها بالحقائق العلمية ، لأن الجمهور أو الفرد غير المهذب عاطفي أكثر من أن يكون متبصرا ، وهو أطوع للتخييل من الإقناع . ألا ترى أن الكلام المخيل الشعري قد يحبب أمرا مبغوضا للنفس ، وقد يبغض شيئا محبوبا لها ؟ واعتبر ذلك في اشمئزاز بعض الناس من اكلة لذيذة قد أقبل على أكلها فقيل له : إنه وقع فيها بعض ما تعافه النفس - كالخنفساء مثلا - أو شبهت له ببعض المهوعات ، فإن الخيال حينئذ قد يتمكن منه فيعافها حتى لو علم بكذب ما قيل . ولا تنس القصة المشهورة لملك الحيرة النعمان بن المنذر مع نديمه