ثم المقدمة اليقينية إما أن تكون في نفسها بديهية من إحدى البديهيات الست المتقدمة ، وإما أن تكون نظرية تنتهي إلى البديهيات . فإذا تألفت الحجة من مقدمتين يقينيتين سميت " برهانا " ولابد أن تنتجا قضية يقينية لذات القياس المؤلف منهما اضطرارا ، عندما يكون تأليف القياس في صورته يقينيا أيضا كما كان في مادته ، فيستحيل حينئذ تخلف النتيجة ، لاستحالة تخلف المعلول عن علته ، فيعلم بها اضطرارا لذات المقدمتين بما لهما من هيئة التأليف على صورة قياس صحيح . وهذا معنى أن نتيجة البرهان ضرورية . ويعنون بالضرورة هنا معنى آخر غير معنى " الضرورة " في الموجهات ، على ما سيأتي [1] . والخلاصة : أن البرهان يقيني واجب القبول مادة وصورة ، وغايته أن ينتج اليقين الواجب القبول ، أي : اليقين بالمعنى الأخص . - 2 - البرهان قياس ذكرنا في تعريف البرهان أنه قياس ، وعليه فلا يسمى الاستقراء ولا التمثيل برهانا . وعلل بعضهم ذلك بأن الاستقراء والتمثيل لا يفيدان اليقين ، ويجب في البرهان أن يفيد اليقين . والحق أن الاستقراء قد يفيد اليقين ، وكذلك التمثيل على ما تقدم في بابهما في الجزء الثاني [2] بل تقدم أن أساس أكثر كبريات الأقيسة هو الاستقراء المعلل ، ومع ذلك لا يسمى الاستقراء ولا التمثيل برهانا . والسر في ذلك : أن الاستقراء المفيد لليقين - وكذا التمثيل - إنما يفيد اليقين حيث يعتمد على القياس ، كما شرحناه في التجربيات [3] وأشرنا في
[1] يأتي في ص 375 . [2] تقدم في ص 310 و 317 . [3] تقدم في ص 331 .