ومن أجل هذا كان الناس - لغلبة الوهم على نفوسهم - بين مجسم وملحد . وقل من يتنور بنور العقل ويجرد نفسه عن غلبة أوهامها ، فيسموا بها إلى إدراك ما لا يناله الوهم . ولذا قال تعالى في كتابه المجيد : * ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) * [1] فنفى الإيمان عن أكثر الناس . ثم هؤلاء المؤمنون القليلون قال عنهم : * ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) * [2] يعني أنهم في حين إيمانهم هم مشركون . وما ذلك إلا لأنهم لغلبة الوهم إنما يعبدون الأصنام التي ينحتونها بأوهامهم ، وإلا كيف يجتمع الإيمان والشرك في آن واحد إذا أريد بالشرك من الآية معناه المعروف ! وهو العبادة للأصنام الظاهرية . والخلاصة : ان القضايا الوهمية الصرفة التي نسميها " الوهميات " هي عبارة عن أحكام الوهم في المعاني المجردة عن الحس . وهي قضايا كاذبة لا ظل لها من الحقيقة ، ولكن بديهة الوهم لا تقبل سواها ، ولذلك يستخدمها المغالط في أقيسته ، كما سيأتي في " صناعة المغالطة " . إلا أن العقل السليم من تأثير الوهم يتجرد عنه ولا يخضع لحكمه ، فيكشف كذب أحكامه للنفس . - 5 - المسلمات [3] وهي قضايا حصل التسالم بينك وبين غيرك [4] على التسليم بأنها صادقة ، سواء كانت صادقة في نفس الأمر ، أو كاذبة كذلك ، أو مشكوكة [5] .
[1] يوسف : 103 . [2] يوسف / 106 . [3] راجع الحاشية : ص 112 ، وشرح الشمسية : ص 168 ، والقواعد الجلية : ص 401 . [4] أي : المخاطب ، فإن المقوم لكون القضية من المسلمات اعتراف المخاطب بها . [5] لا يخفى أنها ليست قسيما للصادقة والكاذبة ، اللهم إلا أن يراد بالصادقة متيقن الصدق وبالكاذبة متيقن الكذب .