تمهيد : تقدم أن للقياس [1] مادة وصورة ، والبحث عنه يقع من كلتا الجهتين . وما تقدم في الباب الخامس كان بحثا عنه من جهة صورته - أي : هيئة تأليفه - على وجه لو تألف القياس بحسب الشروط التي للهيئة وكانت مقدماته - أي مواده - مسلمة صادقة كان منتجا لا محالة ، أي : كانت نتيجته صادقة تبعا لصدق مقدماتها . ومعنى ذلك : أن القياس إذا احتفظ بشروط الهيئة فإن مقدماته لو فرض صدقها فإن صدقها يستلزم صدق النتيجة . ولا يبحث هناك عما إذا كانت المقدمات صادقة في أنفسها أم لا ، بل إنما يبحث عن الشروط التي بموجبها يستلزم صدق المقدمات صدق النتيجة على تقدير فرض صدق المقدمات . وقد حل الآن الوفاء بما وعدناك به من البحث عن القياس من جهة مادته [2] . والمقصود من المادة مقدماته في أنفسها مع قطع النظر عن صحة تأليفها بعضها مع بعض . وهي تختلف من جهة الاعتقاد بها والتسليم
[1] واضح ، أن الاستقراء والتمثيل لهما مواد أيضا ، ولكن لعله لم يبحث عن موادهما ، لاحتمال بسبب أن صورتهما ليست مفيدة لليقين ، فكان البحث عن موادهما خاليا عن الفائدة . [2] لا يخفى عليك : أنه بحث عن الحجة من ناحية مادتها ، ولما كان القياس قسما من الحجة أمكن أن يكون بحثا عن القياس من هذه الناحية أيضا .