نام کتاب : المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء نویسنده : الفيض الكاشاني جلد : 1 صفحه : 282
وأمّا عمل القلب ، فالغاية القصوى عمارته بالأخلاق المحمودة والعقائد المشروعة ولن يتّصف بها ما لم ينظف عن نقائضها من العقائد الفاسدة ، والرذائل المذمومة ، فتطهيره أحد الشطرين وهو الشطر الأوّل الَّذي هو شرط في الثاني ، فكان الطهور شطر الإيمان بهذا المعنى ، وكذلك تطهير الجوارح عن المناهي أحد الشطرين ، وعمارتها بالطاعات الشطر الثاني ، وهذه مقامات الإيمان ، ولكلّ مقام طبقة ، ولن ينال العبد الطبقة العالية إلا أن يجاوز الطبقة السافلة ، فلا يصل إلى طهارة السرّ عن الصفات المذمومة وعمارته بالمحمودة من لم يفرغ عن طهارة القلب عن الخلق المذموم وعمارته بالمحمود ، ولن يصل إلى ذلك من لم يفرغ عن طهارة الجوارح عن المناهي وعمارتها بالطاعات ، وكلَّما عزّ المطلوب وشرف صعب مسلكه وطال طريقه وكثرت عقباته ، ولا تظنّنّ أنّ هذا الأمر يدرك بالمنى ، وينال بالهوينا [1] . نعم من عميت بصيرته عن تفاوت هذه الطبقات لم يفهم من مراتب الطهارة إلا الدرجة الأخيرة الَّتي هي كالقشر الأخير بالإضافة إلى اللَّبّ المطلوب ، فصار يمعن فيه ويستقصي في مجاريه ، ويستوعب جميع أوقاته في الاستنجاء وغسل الثياب وتنظيف الظاهر وطلب المياه الجارية الكثيرة ، ظنّا منه بحكم الوسوسة وخبل العقل أنّ الطهارة المطلوبة المشرفة هي هذه فقط وجهلا بسيرة الأوّلين واستغراقهم جميع الهمّ والفكر في تطهير القلوب ، وتساهلهم في أمر الظاهر حتّى أنّهم ما كانوا يغسلون اليد عن الدسومات والأطعمة ، بل كانوا يتمسّحون أصابعهم بأخمص أقدامهم ، وعدوّا الأشنان من البدع المحدثة ، ولقد كانوا يصلَّون على الأرض في المساجد ويمشون حفاة في الطرقات ، ومن كان لا يجعل بينه وبين التراب حاجزا في مضجعه كان من أكابرهم ، وكانوا يجعلون الصلاة في النعلين أفضل ، وكانوا يقتصرون على الحجارة في الاستنجاء ، وكانوا يأكلون من دقيق البرّ والشعير وهو يداس بالدوابّ وتبول عليه ، ولا يحترزون من عرق الإبل والفرس مع كثرة تمرّغها في النجاسات ولم ينقل قطَّ
[1] الهوينا تصغير الهونى تأنيث الأهون وهو من الهون : الرفق واللين والمراد هنا التهاون في أمر الدين وترك الاهتمام فيه .
282
نام کتاب : المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء نویسنده : الفيض الكاشاني جلد : 1 صفحه : 282