الحجاب بينه وبين اللَّه جلّ جلاله . « الله وليُّ الَّذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور » [1] « أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها » [2] ليس العلم بكثرة التعلَّم إنّما هو نور يقذفه اللَّه في قلب من يريد اللَّه أن يهديه ، وهذا النور قابل للقوّة والضعف والاشتداد والنقص كسائر الأنوار « وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا » [3] « وقل ربّ زدني علما » [4] .
« الإيمان درجات وطبقات ومنازل فمنه التامّ المنتهي تمامه ومنه الناقص البيّن نقصانه ومنه الراجح الزائد رجحانه » كذا قال مولانا الصادق عليه السّلام [5] .
وكلَّما ارتفع حجاب ازداد نور فيقوي الإيمان ويتكامل إلى أن ينبسط نوره فينشرح صدره ويطَّلع على حقائق الأشياء ويتجلَّى له الغيوب ويعرف كلّ شيء في موضعه فيظهر له صدق الأنبياء عليهم السّلام في جميع ما أخبروا عنه إجمالا وتفصيلا على حسب نوره وبمقدار انشراح صدره ، وينبعث من قلبه داعية العمل بكلّ مأمور والاجتناب عن كلّ محظور ، فيضاف إلى نور معرفته أنوار الأخلاق الفاضلة والملكات الحميدة ، « نور هم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم » « نور على نور » وكلّ عبادة تقع على وجهها تورث في القلب صفاء يجعله مستعدّا لحصول نور فيه وانشراح ومعرفة ويقين ثمّ ذلك النور والمعرفة واليقين تحمله على عبادة أخرى وإخلاص آخر فيها يوجب نورا آخر وانشراحا أتمّ ومعرفة أخرى ويقينا أقوى وهكذا إلى ما شاء اللَّه جلّ جلاله ، ومثل ذلك مثل من يمشي بسراج في ظلمة فكلَّما أضاء له من الطريق قطعة مشى فيها فيصير ذلك المشي سببا لإضاءة قطعة أخرى منه وهكذا وفي الحديث النبويّ صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم : « من علم وعمل بما علم ورّثه اللَّه علم ما لم يعلم [6] » وفي كلام أمير المؤمنين عليه السّلام « انّ الإيمان ليبدو لمعة بيضاء فإذا عمل العبد الصالحات نما وزاد حتّى يبيضّ القلب كلَّه وانّ النفاق ليبدو نكتة سوداء فإذا انتهك الحرمات زادت حتّى يسود القلب كلَّه فيطبع على قلبه فذلك الختم وتلا « كلا بل ران

[1] البقرة : 257 .
[2] الانعام : 122 .
[3] الأنفال : 3 .
[4] طه : 114 .
[5] رواه الكليني في الكافي ج 2 ص 38 تحت رقم 7 في حديث طويل عن العالم عليه السّلام .
[6] قد مر في ص 148 عن أبي نعيم في الحلية .

277