جهنم الأشقياء التي قيل لها : هَلِ امْتَلأْتِ ف تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ودركاتها هي أبدان الحيوانات التي كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها لتراكم جهالاتهم ورداءة أخلاقهم بخلاف السعداء الذين وقع فيهم قوله تعالى : لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ وذلك لاستحالة انتقال نفوسهم إلى الحيوانات المعذبة التي هي أبواب الجحيم ولِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ لغلبة الأخلاق المرضية والهيئات المحمودة عليها وإذا لم ينتقل نفوسهم إلى الأبدان الحيوانات فلا يذوقون في الدنيا إلا الموتة الأولى التي هي مفارقتهم عن الأبدان الإنسانية . والجواب أن اختصاص التعذيب التام في نشأة لا يستلزم كونها أخس النشئات فإن النشأة التي يقع فيها التعذيب للأشقياء والتنعم للسعداء هي النشأة الإدراكية التي هي أصفى وألطف من النشأة الجرمانية وهي دار الآخرة التي هي الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ لأن الملذ والموذي في الحقيقة أمور غير محسوسة بهذا الحس الظاهري الدنياوي بل بالحواس الباطنة الأخروي لأن سكر الطبيعة وخدرها الحاصل للنفس في هذه الدار لأجل اشتغالها بتدبير البدن يمنع أن يدرك لوازم أخلاقها وتوابع ملكاتها الحاصلة لها لأجل الأعمال الحسنة أو القبيحة إدراكا حقا غير مشوب بما يورد عليه الحواس ويشتغل به من الأفعال فإذا ارتفع عنها الحجاب وانكشف الغطاء وقع اليوم بصره إلى تبعات أخلاقه ولحقات أعماله فيقع لها إما اللذة الوافرة العظيمة إن كانت رضية الأخلاق حسنة الأعمال صحيحة الاعتقاد أو الألم الشديد والداهية العظيمة إن كانت سيئة الأخلاق قبيحة الأعمال باطلة الاعتقاد كما في قوله : فَكَشَفْنا عَنْكَ