الطبيعة . وهذا التعميم - الذي هو شرط أساسيّ لإقامة علم طبيعيّ - لا مبرّر له إلا قوانين العلّية ( بصورة عامّة ) وقانون التناسب منها ( بصورة خاصّة ) القائل : إنّ كلّ مجموعة متّفقة في حقيقتها يجب أن تتّفق أيضاً في العلل والآثار . فلو لم تكن في الكون علل وآثار ، وكانت الأشياء تجري على حسب الاتّفاق البحت ، لما أمكن للعالم الطبيعي القول : إنّ ما صحّ في مختبره الخاصّ يصحّ على كلّ جزء من الطبيعة على الإطلاق . وهكذا نعرف أنّ وضع النظرية العامّة لم يكن ميسوراً دون الانطلاق من مبدأ العليّة ، فمبدأ العليّة هو الأساس الأوّل لجميع العلوم والنظريات التجريبية . وبتلخيص : إنّ النظريات التجريبية لا تكتسب الصفة العلمية ما لم تعمّم لمجالات أوسع من حدود التجربة الخاصّة وتقدّم كحقيقة عامّة . ولا يمكن تقديمها كذلك إلا في ضوء مبدأ العلّية وقوانينها ، فلا بدّ للعلوم عامّة أن تعدّ مبدأ العلّية وما إليها من قانوني الحتمية والتناسب ، مسلّمات أساسية وتسلّم بها بصورة سابقة على جميع نظرياتها وقوانينها التجريبية » [1] . ومن الواضح أنّ « مبدأ العلّية » وقوانينها الفرعية ليست نظرية علمية تجريبية ، بل هي قانون فلسفيّ عقليّ فوق التجربة ، كما هو محقّق في مباحث العلّة والمعلول من الفلسفة . « وعلى أيّ حال ، فإنّ ضرورة أيّ قانون كلّي وقطعيّته - إن كان مثل هذا القانون يمكن اكتشافه بالأسلوب التجريبي في الطبيعيات - مرهونة بقبول مبدأ العلّية وفروعه . وإثبات هذه القوانين إنّما هو من جملة المساعدات التي تقدّمها الفلسفة للعلوم » [2] .
[1] فلسفتنا ، محمد باقر الصدر ، دار الكتاب الإسلامي ، قم ، الطبعة العاشرة : ص 305 . [2] المنهج الجديد ، مصباح اليزدي ، مصدر سابق : ج 1 ص 121 .