أمّا كبرى هذا القياس ، فإنّ الشئ الذي حقيقته وكنهه أنّه في الأعيان لو افترضنا أنّه جاء إلى الذهن يلزم من ذلك الانقلاب المحال . بيان ذلك : إنّ الشئ الذي حقيقته أنّه في الأعيان إمّا أن يأتي إلى الذهن مع حفظ ذاته وحقيقته وهويّته الثابتة له في الخارج ، وهذا معناه انقلاب الخارج ذهناً ، أي أنّ ما فرض في الخارج ليس كذلك ، فيلزم اجتماع النقيضين وهو بديهي الاستحالة . وإمّا أن نفترض أنّ ذلك الشئ يأتي إلى الذهن مع سلب ذاته وهويّته ، وهذا محال أيضاً ، لاستلزامه سلب الشئ عن نفسه . إذن فهذا القياس الثاني من الشكل الأوّل تامّ من حيث الصغرى والكبرى ، ونتيجته : إنّ الوجود يمتنع أن يكون في الأذهان ، وهذه النتيجة هي صغرى القياس الأوّل الذي نريد أن نُثبت من خلاله أنّ مفهوم الوجود من المفاهيم الفلسفيّة . والحاصل : إنّنا أثبتنا في البداية كبرى القياس من الشكل الأوّل ، وهي : « إنّ كلّ ما لا يرتسم ولا يأتي بكنهه في الذهن من الحقائق الخارجيّة ليس من الماهيّات » ، ثمّ أثبتنا بعد ذلك صغرى القياس ، وهي : « إنّ الوجود يمتنع أن يأتي بكنهه وهويّته إلى الذهن » ومن هاتين المقدّمتين يتشكّل قياس من الشكل الأوّل ، وصورته كالتالي : الصغرى : إنّ الوجود يمتنع أن يأتي بكنهه وهويّته إلى الذهن . الكبرى : وكلّ ما لا يأتي إلى الذهن بكنهه وهويّته فليس من الماهيّات . النتيجة : إذن فالوجود ليس من الماهيّات . ويترتّب على نتيجة هذا الاستدلال أنّ كلّ ما يدركه الإنسان من مفاهيم ذهنية حاكية عن الوجود الخارجي كنفس مفهوم الوجود ، لا يمكن أن تكون