أنّ بعضها أقوى وأتمّ من بعضها الآخر ، وسيأتي في البحوث اللاحقة إثبات أنّ الوجود بسيط ولا غير له خارجاً عن ذاته ، ويُستنتج من ذلك أنّ هذا النحو من الكثرة والتفاوت مقوّم للوجود ، بمعنى أنّه فيه وغير خارج منه ، وإلاّ لكان جزءاً منه ولا جزء للوجود ، أو كان حقيقة خارجة منه ولا خارج من الوجود ، فثبت أنّ الكثرة والتفاوت بنفس الوجود ، هذا من جهة . ومن جهة أخرى ; فقد أثبت المصنّف في المبحث السابق أنّ الوجود بمفهومه مشترك معنوي ، يحمل على مصاديقه بمعنى واحد ، فنحن ننتزع من حقيقة الوجود بجميع مراتبها ومصاديقها مفهوم الوجود الواحد ، ومن الممتنع انتزاع مفهوم واحد من مصاديق كثيرة بما هي كثيرة ، من دون أن ترجع تلك الكثرة إلى نحو من أنحاء الوحدة ، فكما أنّ الكثرة والتمايز والتفاوت بالوجود لا غير ، كذلك الوحدة والاتّفاق والاشتراك ليس إلاّ بالوجود ، فرجع ما به الكثرة والامتياز إلى ما به الوحدة والاشتراك ، وهذه هي شرائط وخصائص التشكيك الخاصّي كما تقدّم ، فالوجود حقيقة واحدة ذات مصاديق ومراتب مختلفة بالتقدّم والتأخّر والشدّة والضعف والتمام والنقص ونحو ذلك ، فالتقدّم والتأخّر وكذا القوّة والضعف بذات الوجود ، لا بأمر خارج عن نفس هويّته . وبناءً على هذا التصوّر فإنّ الوجود الواقع في أي مرتبة من المراتب لا يمكن أن يقع في مرتبة أخرى سابقة أو لاحقة ، لأنّ مرتبته الخاصّة نفس هويّته وعين ذاته سواء كانت متقدّمة أو متأخّرة وسواء كانت شديدة أو ضعيفة ، وليس تقدّمه أو تأخّره عارضين على الوجود كي تبقى الذات ويُسلب العرض ، وذلك من قبيل الأعداد ، فإنّ الأربعة مثلاً متأخّرة بذاتها عن الثلاثة ، ولا يمكن سلب التقدّم والتأخّر عنهما مع بقاء ذاتيهما ، كذلك نظام عالم الوجود كالنظام العددي .