الإمكان على نظامه الأحسن ، هذا كلّه بالنسبة إلى ما يرتبط بكان الناقصة للوجود ، أي أكمليّة نظام عالم الوجود . ثمّ يترقّى صدر المتألّهين قائلاً : « بل سبباً لنفس الوجود » أي على مستوى كان التامّة « إذ ما لم يعرف الوجود على ما هو عليه لا يمكن إيجاده وإيلاده ، والوجود خيرٌ محض ، ولا شرف إلاّ في الخير الوجودي » فأصل الوجود لا يمكن صدوره عن الواجب تعالى إلاّ على أساس الحكمة والعلم بالأشياء على ما هي عليه . ويحاول صدر المتألّهين بعد ذلك أن يؤيّد ما ذكره من المنزلة والشرف للحكمة بجملة من الآيات القرآنية ، كقوله تعالى : * ( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ) * [1] . وقوله : * ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ) * [2] . وقوله : * ( وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَة ) * [3] . كلّ ذلك على سبيل المدح وفي معرض الإحسان والامتنان ، ممّا يكشف عن عظمة الحكمة وعلوّ منزلتها ، وبهذا الاعتبار قد سمّى الله تعالى نفسه حكيماً في مواضع كثيرة من القرآن الكريم . ثمّ حمل المصنّف معنى الحكمة في القرآن الكريم على ما ذكره من المعنى المتقدّم للحكمة ، واستكشف من ذلك عظمة الحكمة التي هي محلّ بحثنا . وسيأتي مزيد إيضاح لهذه النقطة في الأبحاث اللاحقة ، وذلك عندما نتعرّض إلى موقع الفلسفة ودورها بالنسبة إلى سائر العلوم الأخرى ، حيث يتوقّف