وكذا الرابع لا يكونان مانعين من رجوع السالك إلى السفر الثاني أو الاتّصال به ، خاصّة وأنّ الرجوع لا يكون بحركة مادّية على نحو التجافي وإنّما حركته وانتقاله وعودته على نحو التجلّي ؛ فإنّ السالك في نزوله ( قوس النزول ) وفي صعوده التكاملي ( قوس الصعود ) تتّصف حركته بأنّها على نحو التجلّي لا التجافي ، وإذا كانت كذلك فإنّ له الرجوع والاتّصال بالسفر الثاني مرة أخرى بمعنى الظهور والتجلّي فيه ، ليأخذ وينهل من معارف التوحيد والشهود . وأمّا ما نعنيه بالعزلة فهو أنّ السالك ما دام سائراً في السفر الثاني فإنّه يعيش عزلة تامّة عمّا سوى الله تعالى ، وهذا ما كان عليه صدر المتألّهين ( بحسب ظاهر كلماته في عزلته التي يقول فيها : « . . . فتوجّهت توجّهاً غريزياً نحو مُسبّب الأسباب وتضرّعت تضرّعاً جبلّياً إلى مُسهّل الأمور الصعاب ، فلمّا بقيت على هذا الحال من الاستتار والانزواء والخمول والاعتزال زمناً مديداً وأمداً بعيداً ، اشتعلت نفسي لطول المجاهدات اشتعالاً نورياً . . . فاقتضت رحمته أن لا يختفي في البطون والأسرار ، هذه المعاني المنكشفة لي من مفيض عالم الأسرار . . . » [1] ، فعزلته كانت في سفره الثاني ، حيث يكون السالك فيه مستغرقاً وفانياً في الوحدة ولا مجال للالتفات إلى الكثرة .
[1] الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة ، مصدر سابق : ج 1 ص 8 .