وأنظارهم ، مستفيداً من أبكار ضمائرهم وأسرارهم ، وحصّلت ما وجدته في كتب اليونانيين والرؤساء المعلمين ، تحصيلاً يختار اللباب عن كلّ باب ويجتاز عن التطويل والإطناب » [1] . وهناك من الدارسين المعاصرين من يفصّل هذه البرهة في حياة صدر الدين ، على النحو التالي : « أوّلاً : درس الفلسفات والآراء الدينية والعرفانية درساً متعمّقاً متجنّباً عن الانحياز إلى رأي خاصّ أو فلسفة خاصّة من دون أن يسانده البرهان ، واكتشف في دراساته أصول المذاهب والآراء والفلسفات وطرقها الإثباتية وفهم صلاتها ومميزاتها ، وعلم - بمقدار كبير - جهات كمالها ونقصها ، فاطّلع بذلك على الفلسفات والآراء والمعارف في تطوّرها الأغريقي الفارسي الإسلامي . وثانياً : درس المذاهب الكلامية درساً متمادياً في الأطراف واجتنى منها ما أثمرت من التفسيرات العقلية والدينية ، ولم يحذفها كلّها بمجرد أنّ أدلّتها أدلّة جدلية غير منساقة مع الطرق المنطقية ، بل حذف منها جدلها وإجاباتها الباطلة وأخذ منها ما تلائمت مع الأصول المنطقية » [2] . والذي يظهر من خلال كلماته التي وقفنا عليها ، أنّ مسلكه العرفاني لم ينضج في هذه المرحلة من حياته ، بشهادة ما سيقوله عن نفسه كما سنشير إليه . وهنا لا بأس بالإشارة إلى اعتقاد البعض بأنّ صدر الدين الشيرازي أظهر الندم والأسف على ما ضيّع في هذه المرحلة من عمره ، ويجعل ذلك دليلاً على ذمّ الفلسفة والعلوم العقلية ، ويستشهد بما ذكره في الأسفار : « وإني لأستغفر
[1] الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة ، مصدر سابق : ج 1 ص 4 . [2] مفاتيح الغيب ، المقدمة .