والملاحظة الجديرة بالالتفات ، هي أنّ استكمال النفس بالمعرفة من الغايات المتوسّطة ، والغاية النهائية المترتّبة على الفلسفة هي حصول التصديق والإيمان الذي يترتّب على العلم والمعرفة ، فاليقين والمعرفة وإن كانت من الأهداف المطلوبة في دراسة الفلسفة ، لكنّها أهدافاً متوسّطة لا فائدة منها إذا انسلخت عن التصديق والإيمان ورافقها الجحود والإنكار ، كما جاء ذلك في قوله تعالى : * ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ) * [1] . فاستكمال القوّة النظرية في النفس عن طريق المعرفة من الغايات الوسطى . هذا كلّه بالنسبة إلى الهدف الأوّل . الهدف الثاني : حصول التشبّه بالباري تبارك وتعالى ، سواء في الحكمة النظرية أم العمليّة ، وقد بيّن ذلك المصنّف بقوله : « الفلسفة هي التشبّه بالإله ، كما وقع في الحديث النبوي « تخلّقوا بأخلاق الله » [2] يعني في الإحاطة بالمعلومات ( الحكمة النظريّة ) والتجرّد عن الجسمانيّات ( الحكمة العمليّة ) » . وهذه هي الغاية النهائية من دراسة الفلسفة ، باعتبار أنّ الإله عزّ وجلّ هو مبدأ الكمال ومصدره علماً وعملاً ، فكلّما كان الإنسان أقرب من مبدأ الكمال كلّما كان أكمل ، والعكس بالعكس . ثمّ إنّ هناك أهدافاً وغايات أخرى لدراسة الفلسفة قد تعرّضنا لذكرها مفصّلاً في مقدّمة هذا الكتاب ، فلاحظ . الأمر الرابع : المنهج المتّبع في تحقيق مسائل الفلسفة ذكر صدر المتألّهين في هذه المقدّمة بأنّ المنهج والأسلوب المتّبع في تحقيق المسائل الفلسفيّة هو البرهان المنتج لليقين بالمعنى الأخصّ ، حيث قال :
[1] النمل : 14 . [2] بحار الأنوار ، مصدر سابق : ج 58 ص 129 .