نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 565
به الغذاء للجسم ولكن لا يشعر به كثير من الناس إلا العلماء بعلم الطبيعة وذلك أعني صورة قوله أكلها دائم إن الإنسان إذا أكل الطعام حتى يشبع فذلك ليس بغذاء ولا بأكل على الحقيقة وإنما هو كالجاني الجامع مع المال في خزانته والمعدة خزانة لما جمعه هذا الآكل من الأطعمة والأشربة فإذا جعل فيها أعني في خزانة معدته وما اختزنه فيها ورفع يده حينئذ تتولاها الطبيعة بالتدبير وينتقل ذلك الطعام من حال إلى حال ويغذيه بها في كل نفس يخرج عنه دائما فهو لا يزال في غذاء دائم ولولا ذلك لبطلت الحكمة في ترتيب نشأة كل متغذ والله حكيم فإذا خلت الخزانة حرك الطبع الجابي إلى تحصيل ما يملؤها به فلا يزال الأمر هكذا دائما أبدا فهكذا صورة الغذاء في المتغذي فالتغذي في كل نفس دنيا وآخرة وكذلك أهل النار وقد وصفهم الله بالأكل والشرب فيها على هذا الحد إلا أنها دار بلاء فيأكلون عن جوع ويشربون عن عطش وأهل الجنة يأكلون ويشربون عن شهوة لالتذاذ لا عن جوع فإنهم ما يتناولون الشئ المسمى غذاء إلا عن علم بأن الزمان الذي كان الاختزان فيه قد فرع ما كان مختزنا فيه فيسارع إلى الطبيعة بما تدبره فلا يزال في لذة ونعيم لا يحوج الطبيعة إلى طلب وحاجة للكشف الذي هم عليه كما إن أهل النار في الحجاب فلا يعلمون هذا القدر فيجوعون ويظمئون لأن المقصود منهم أن يتألموا فتبين لك أنه لا لذة إلا العلم ولا ألم إلا الجهل والشمس مكورة قد نزع نورها في أعينهم طالعة على أهل النار وغاربة كما تطلع على أهل الدنيا في حال كسوفها وكذلك القمر يسبحان وجميع الدراري على صورة سباحتهم الآن في أفلاكهم لكنها مطموسة في أعينهم فعلى ما هو الأمر في نفسه هم الذين طمس الله أعينهم إذ شاء عن إدراك الأنوار التي في المنبرات فالحجاب على أعينهم كما نعلم أن الشمس هنا في حال كسوفها ما زال نورها منها وإنما القمر حجبها عنا ولو لم يكن كذلك ما عرف أهل التعاليم متى يكون الكسوف وكم يذهب منها في الكسوف عن أعيننا ويقع ذلك على ما ذكروه فلو كان من الأمور التي لا تجري على مقادير موضوعة وموازين محكمة قد أعلمها الله من وفقه لطلب مثل هذا العلم ما علمه وهذا لا يقدح في قولنا إن الشمس قد كسفت أو قد زال نورها عن إدراك أعيننا فإن هذا القدر وهذه الصورة ما ثم من يمنعنا أن نصطلح على أن نطلق عليها اسم كسوف وخسوف وتكوير وطمس فيشهد أهل النار أجرام السيارة طالعة عليهم وغاربة ولا يشهدون لها نورا لما في الدخان من التطفيف فكما كانوا في الدنيا عمياء عن إدراك أنوار ما جاءت به الشرائع من الحق كذلك هم في النار عمي عن إدراك أنوار هذه السيارة وغيرها من الكواكب ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا وإنما كان أضل سبيلا فإنه في الدنيا يجد من يرشده إلى الطريق ولكن لا يسمع وفي النار ما يجد من يرشده إلى الطريق فإنه ما ثم طريق لكن يجد من يندمه على ما فاته ليزيده حسرة إلى حسرته وعذابا إلى عذابه فليل أهل النار لا صباح له ونهار أهل الجنة لا مساء له أي لا ليل فيه فمن وعظ الناس في عقده طلبا منه بذلك أن ينفع الناس في عقده فما عرف الله بخلاف المذكر فإنه يذكر ويعظ بما عنده ويعلم أن من السامعين من يكون له ذلك الوعظ شفاء ودواء ومن الناس من يزيده مرضا إلى مرضه كما قال تعالى وإذا ما أنزلت سورة وهي واحدة فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون بورود العافية عليهم وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم والسورة واحدة والمزاج مختلف فلا يعرف حقيقة هذه الآية إلا الأطباء الذين يعلمون أن العقار الفلاني فيه شفاء لمزاج خاص من مرض خاص وهو داء وعلة لمزاج خاص وزيادة مرض في مرض خاص فالطبيب أحق الناس علما بهذه الآية وكذلك طبيب القلوب فيما يؤمنها ويخيفها فالحكيم هو الذي يأتي إلى العليل من ما منه ويظهر له بصورة من يعتقد فيه ليستدرجه إلى صورة الحق بالحق الذي يليق به ولكن وقع الأمر الإلهي في العالم بخلاف هذا لأن مشيئة الله تعلقت بأن الله لا يجمعهم على الهدى وأما الطريق في ذلك فمعلوم عند الله وعند أهله لا يشكون فيه فإن الذي يعتقد في مخلوق ما من حجر أو نبات أو حيوان أو كوكب إنه إلهه وهو يعبده ويخاطبه ذلك الإله المشهود له على الكشف بما هو الحق عليه يرجع إلى قوله لاعتقاده فيه كما يرجع إلى قوله في الآخرة ويتبرأ منه كما تبرأ إلهه منه والله قادر على أن ينطقه في الدنيا بذلك في حق من يعبده لكن العلم السابق والمشيئة الإلهية منعا من ذلك ليكون الخلاف في العالم فجرى الأمر على ذلك في الدنيا وبعض
565
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 565