نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 529
الممنوع منه أن ذلك لإهانته على من بيده إعطاء ما سأل فيه وليس كذلك فيفتح الله إن شاء عين بصيرته ويرزقه الكشف على نفسه وعلى حقيقة ما طلب ويريه الحق في ذلك الكشف أن الذي طلبه ما هو بذلك ويعرف شرف نفسه عن إن يتصف بالافتقار إلى الله في طلب مثل هذا فيعلم إن الله ما منعه لإهانته عليه وإنما منعه لاستهانة ذلك المطلوب بالنسبة إليه فيشكر الله على منع ذلك هذا وجه من وجوه قوله من استهين منع والوجه الآخر أن يطلب الطالب فوق قدره حتى لو أعطيه ما قبله لأنه يضعف عن حمله فيمنع لإهانته بالنسبة إلى ما طلبه وهو عكس الأول فيكون منع الله إياه رحمة به مثل قوله ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض لأنهم يضعفون عن القيام بما يستحقه بسط الرزق من الشكر وليس في وقته إلا البغي به والكفر والأشر والبطر ويظهر ذلك في أرباب المناصب في الدنيا فإذا رأيت صاحب المنصب يحكم عليه المنصب فتعلم أنه دون المنصب وأنه مهان بصرفه المنصب بعزته كيف يشاء فلا يزال مذموما بكل لسان من الحق ومن الخلق وإذا رأيت صاحب المنصب يصرف المنصب ويحكم على المنصب فتعلم أنه فوق المنصب فيكون محمودا بكل لسان عند الله وعند العالم فيمنع بحق وحكمة ويعطي بحق وحكمة كما قال الحق عن نفسه ولكن ينزل بقدر ما يشاء وذلك لعلم هذا الشخص بالأوزان فإن الله يقول إنه بعباده خبير بصير فيعلم على من يبسط رزقه وعلى من يقبض عنه ذلك القدر الذي بسطة على غيره فبغى به ولذلك ما ذكر إلا عموم البسط في العباد كلهم وأضاف البغي للكل لأنه قد بسط للبعض فوقع منهم البغي فيما بسطة له لأنه شغله عن حاجة نفسه الضرورية بحاجة نفسه التي هي غير ضرورية كملك بسط الله له في الملك فأعطاه افتقاره الأصلي أن يسعى في تحصيل ملك غيره ولم يقنع بما عنده وقد كان قبل حصول ما هو فيه عنده يشتهي أنه يحصل له بعضه ويقنع به فلما أعطاه ما قنع وتشوق إلى الزيادة مما هو في يد غيره فلم يحصل له ذلك إن حصل إلا بالبغي في الأرض فربما أداه ذلك البغي إلى زوال ما بيده فيندم عند ذلك ويعلم أنه ما عاد عليه إلا بغيه فلو كان عزيزا في طلبه غير مهان ما منع هكذا يقول عن نفسه وقد يكون منع الله ذلك في حقه وأخذ ما كان بيده سببا إلى رجوعه إلى الله وتوبته ليسعده الله بذلك فالعاقل ينظر في أحواله وتصرفاته وما أهله الله له ويعلم أن ذلك كله خطاب الحق بالسنة الأحوال فيفتح عين الفهم وسمعه لذلك الخطاب العقلي والحالي فيعمل بمقتضى فهمه فيه فإن قلت فإن كان فهمه فيه ما تعطيه قوة ذلك المنصب قلنا ليس ذلك نريد وما غاب عنا هذا الذي دخلت علينا به ولكن الله قد وضع لنا في العالم الموازين الشرعية لنقيم لها الوزن بالقسط فإذا أعطى ذلك الأمر الذي يريد تمشيته في العالم بالوزن أخذنا منه قدر ما يدخل الميزان وتركنا منه ما لا يحتمله الميزان فإن في مقابلة كفة الموزون مقدارا في الكفة الأخرى وذلك المقدار هو الذي يعين لنا من هذا الموزون وما نحتاج إليه في الوقت وهذا معنى قوله ينزل بقدر ما يشاء وهو القدر الذي في الكفة الأخرى من الميزان وما تنزله إلا بقدر معلوم وقد يكون الميزان مكيلا فهو على قدر الكيل والفرق بين المكيال والميزان أن الميزان خارج عنك فنأخذ من الموزون قدر ما يقابله من الكفة الأخرى والمكيال هو عين ذاتك من حيث ما هي متصفة بحالة ما فذلك عين كيلها فلا تأخذ من الأمر إلا بقدر قبولها كما يأخذ المكيال فهو على الحقيقة كما هو في الميزان فإنه إذا رجح بأحد الكفتين فقد خرج عن أن يكون وزنا لأنه خرج عن مقدار ما يقابله إما بتطفيف أو غيره فالنبي ص لما نزل عليه من الشرائع مكيال لا ميزان والحق لما لم يصح أن يكون محلا للأمر لم ينزل نفسه منزلة المكيال لكن وصف نفسه بأن بيده الميزان يخفض القسط ويرفعه بحسب مراتب العالم فكل خفض في ميزان الحق ورفع فهو عين الاعتدال بين الكفتين في الميزان الموضوع في العالم فإن الحق لا يزن إلا حقا فميزان الحق لا بد فيه من خفض ورفع لإحدى الكفتين ولو كان على الاعتدال ما ظهر كون في العالم أصلا ولا عدل فإذا أقيمت موازين الشرع الإلهي في العالم سرى العدل في العالم وكذلك لو أقيم الوزن الطبيعي في العالم لم يكن في العالم مرض ولا موت كما لا يكون في الجنة لأن الميزان الطبيعي في الجنة يظهر حكمه ولذلك هي دار البقاء ويرتفع فيها ميزان الشرع كما ارتفع في الدنيا ميزان الطبع فالمنع والعطاء لولا الميزان ما كان لهما حكم في العالم والذي يزن هو الموصوف بالمعطي والمانع والضار والنافع وهو بكل شئ عليم فإن قال قائل من أهل التحقيق إن الجود الإلهي
529
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 529