responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي    جلد : 3  صفحه : 459


الذين يفصلون الأمور بالنظر العقلي لا بالإعلام الإلهي فما فصل بالإعلام الإلهي فهو كله عمل صالح وما فصل بالنظر العقلي فمنه صالح وغير صالح بالنسبة إلى تفصيله لا غير والكل عمل صالح بالنسبة إلى الله تعالى كما يقول إن النقص في الوجود من كمال الوجود وإن شئت قلت من كمال العالم إذ لو نقص النقص من العالم لكان ناقصا فافهم واعلم أنه ما كنا نقول بالعمل غير الصالح ولا بالفساد أدبا مع العلم الإلهي وحقيقة ولكن لما رأينا في الوضع الإلهي قد حذر الله من الفساد وقال ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين وقال تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا ورأينا في العرف بين العقلاء بل الناس أجمعين ذكر الفساد لذلك أقدمنا على ذكره وإنما كنا نقول في ذلك بدل الفساد إظهار صورة وإزالة أخرى كما هو الأمر في نفسه من أجل تركيب خاص ونظام مزاج طبيعي فأما قوله إن الله لا يحب المفسدين فالمراد به تغيير الحكم الإلهي لا تغيير العين ولا إبدال الصورة وأما قوله علوا في الأرض فهو أمر محقق لأن العلو لا تقبله الأرض ما دامت أرضا لمن هي له أرض وكل ما نراه عاليا شامخا فيها فهو جبل ووتد تقلها الله به ليسكن ميدها فالجبال ليست أرضا فخلق الله الأرض مثل الكرة أجزاء ترابية وحجرية ضم الله بعضها إلى بعض فلما خلق الله السماء بسط الأرض بعد ذلك ليستقر عليها من خلقت له مكانا ولذلك مادت ولو بقيت الكرة ما مادت وما خلق الجبال فخلق سبحانه الجبال فقال بها عليها دفعة واحدة وأدار بالماء المحيط بها جبلا جعله لها كالمنطقة قيل إن عليه أطراف قبة السماء وأن الزرقة التي نسبها إلى السماء ونصفها بها فتلك اللونية لجرم السماء لبعدها عنك في الإدراك البصري كما ترى الجبال إذا بعدت عنك رزقا وليست الزرقة لها إلا لبعدها عن نظر العين كما ترى الجبل البعيد عن نظرك أسود فإذا جئته قد لا يكون كما أبصرته وقد بينا لك أن الألوان على قسمين لون يقوم بجسم المتلون ولون يحدث للبصر عند نظره إلى الجسم لأمر عارض يقوم بين الرائي والمرئي مثل هذا ومثل الألوان التي تحدث في المتلون باللون الحقيقي لهيئات تطرأ فيراها الناظر على غير لونها القائم بها الذي يعرفه وذلك مثل الشبهات في الأدلة فهي ألوان لا ألوان وحظها من الحقائق الإلهية وما رميت إذ رميت وأنت لا أنت وكالعالم كله بالحقيقة هو خلق لا خلق أو حق لا حق وكالخيال هو حس لا حس ومحسوس لا محسوس أعني المتخيل والأرض منفعلة عن الماء المنفعل عن الهواء فإن الهواء هو الأصل عندنا ولذلك هو أقرب نسبة إلى العماء الذي هو نفس الرحمن فجمع بين الحرارة والرطوبة فمن حرارته ظهر ركن النار ومن رطوبته ظهر ركن الماء ومن جمود الماء كان الأرض فالهواء ابن للنفس وهو العماء والنار والماء ولدان للهواء والأرض ولد الولد وهو ما جمد من الماء وما لم يجمد بقي ماء على أصله والأرض على ذلك الماء وقد رأينا في نهر الفرات إذا جمد في الكوانين ببلاد الشمال يعود أرضا تمشي عليه القوافل والناس والدواب والماء من تحت ذلك الجليد جار وذلك الماء على الهواء وهو الذي يمده برطوبته فيحفظ عليه عينه واستقراره عليه فإن الهواء يجري الماء إذا تحرك وإذا احتقن وسكن سكن الماء عليه فلا ينفذ الماء فيه وقد رأينا ذلك في أنبوب القصب وأمثاله المنفوذ الثقب إذا ملأته ماء وسددت موضع الثقب الأعلى من الأنبوب لا يجري من أسفل الأنبوب شئ من الماء فإذا أزالته جرى الماء فلم يعتمد ذلك الماء إلا على الهواء الساكن لسكونه وهو صورة تعم العالم كله وإذا تموج الهواء سمي ريحا والريح تنقل روائح ما تمر عليه من طيب وخبيث إلى المشام وكذلك تنقل برودة الأشياء وحرارتها ولذلك توصف الريح بأنها نمامة وتوصف بنقل الأخبار إلى السامعين ولا يتلقى منها هذه الأمور التي تتم بها وتخبر عنها إلا قوة السمع والشم إلى السامعين والشامين وحركات الأجرام تحرك الهواء فتحدث له اسم الريح والهواء يحرك الأجرام وفيه تتحرك الأجرام وأما الخرق فما هو إلا تفريغ أحياز عن أشياء واشتغالها بأشياء غير تلك الأشياء لأنه ما فيما عمره العالم خلاء وإنما هي استحالات صور فصور تحدث الأمور وصور تذهب الأمور والجوهر الذي ملأ الخلاء ثابت العين لا يستحيل إلى شئ ولا يستحيل إليه شئ وليس للأسماء الإلهية متعلق إلا إحداث هذه الصور واختلافها وأما ذهابها فلنفسها وأما ذهابها فلما تقتضيه

459

نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي    جلد : 3  صفحه : 459
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست