نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 420
فحكمنا عليه بهذا النعت وقلنا في المسمى سواه إنه فقير إلى الله فحكمنا عليه فالكل محكوم عليه كما حكمنا على كل شئ بالهلاك وحكمنا على وجهه بالاستثناء من حكم الهلاك فهو أول محكوم عليه من عين هويته فمما حكم به على هويته أن وصف نفسه بأن له نفسا بفتح الفاء وأضافه إلى الاسم الرحمن لنعلم إذا ظهرت أعياننا وبلغتنا سفراؤه هذا الأمر شمول الرحمة وعمومها ومال الناس والخلق كله إليها فإن الرحمن لا يظهر عنه إلا المرحوم فافهم فالنفس أول غيب ظهر لنفسه فكان فيه الحق من اسمه الرب مثل العرش اليوم الذي استوى عليه بالاسم الرحمن وهو أول كثيف شفاف نوري ظهر فلما تميز عمن ظهر عنه وليس غيره وجعله تعالى ظرفا له لأنه لا يكون ظرفا له إلا عينه فظهر حكم الخلاء بظهور هذا النفس ولولا ذلك ما قلنا خلاء ثم أوجد في هذا العماء جميع صور العالم الذي قال فيه إنه هالك يعني من حيث صوره إلا وجهه يعني إلا من حقيقته فإنه غير هالك فالهاء في وجهه تعود على الشئ فكل شئ من صور العالم هالك إلا من حقائقه فليس بهالك ولا يتمكن أن يهلك ومثال ذلك للتقريب أن صورة الإنسان إذا هلكت ولم يبق لها في الوجود أثر لم تهلك حقيقته التي يميزها الحد وهي عين الحد له فنقول الإنسان حيوان ناطق ولا نتعرض لكونه موجودا أو معدوما فإن هذه الحقيقة لا تزال له وإن لم تكن له صورة في الوجود فإن المعلوم لا يزول من العلم فالعلم ظرف المعلومات فصورة العالم بجملته صورة دائرة فلكية ثم اختلفت فيها صور الأشكال من تربيع وتثليث وتسديس إلى ما لا يتناهى حكما لا وجودا والملائكة الحافون من حول العرش ما لهم سباحة إلا في هذا العماء المستدير الذي ظهر فيه أيضا عين العرش على التربيع بقوائمه وحملته من صور المعاني وصور أجسامها التي هي الحروف الدالة عليها فإن المعنى لا يستدل عليه إلا من حكم صورته وهو الحرف والحرف لا يعلم إلا من حيث معناه فهو العالم العلم المعلوم فما في الوجود إلا الواحد الكثير وفيه ظهرت الملائكة المهيمة والعقل والنفس والطبيعية والطبيعة هي أحق نسبة بالحق مما سواها فإن كل ما سواها ما ظهر إلا فيما ظهر منها وهو النفس بفتح الفاء وهو الساري في العالم أعني في صور العالم وبهذا الحكم يكون تجلى الحق في الصور التي ذكرها عن نفسه لمن عقل عنه ما أخبر به عن نفسه تعالى فانظر في عموم حكم الطبيعية وانظر في قصور حكم العقل لأنه في الحقيقة صورة من صور الطبيعة بل من صور العماء والعماء هو من صور الطبيعة وإنما جعل من جعل رتبة الطبيعة دون النفس وفوق الهيولى لعدم شهوده الأشياء وإن كان صاحب شهود ومشى هذه المقالة فإنه يعني بها الطبيعة التي ظهرت بحكمها في الأجسام الشفافة من العرش فما حواه فهي بالنسبة إلى الطبيعة نسبة البنت إلى المرأة التي هي الأم فتلد كما تلد أمها وإن كانت البنت مولودة عنها فلها ولادة على كل من يولد عنها وكذلك العناصر عندنا القريبة إلينا هي طبيعة ما تولد عنها وكذلك الأخلاط في جسم الحيوان فلهذا سميناها طبيعة كما نسمي البنت والبنات والأم أنثى ونجمعها إناثا وإنما ذكرنا هذا لما نظهره من الأشكال لضرب الأمثال للتقريب على الأفهام القاصرة عن إدراك المعاني من غير مثل فإن الله ما جعل معرفة الإنسان نفسه إلا ضرب مثال لمعرفة ربه إذ لو لم يعرف نفسه لم يعرف ربه وهذا صورة العماء الذي هو الجسم الحقيقي العام الطبيعي الذي هو صورة من قوة الطبيعية تجلى لما يظهر فيه من الصور وما فوقه رتبة إلا رتبة الربوبية التي طلبت صورة العماء من الاسم الرحمن فتنفس فكان العماء فشبهه لنا الشرع مما ذكر عنه من هذا الاسم فلما فهمنا صورته بالتقريب قال ما فوقه هواء يعلو عليه فما فوقه إلا حق وما تحته هواء يعتمد عليه أي ما تحته شئ ثم ظهرت فيه الأشياء فالعماء أصل الأشياء والصور كلها وهو أول فرع ظهر من أصل فهو نجم لا شجر ثم تفرعت منه أشجار إلى منتهى الأمر والخلق وهو الأرض وذلك بتقدير العزيز العليم فهذا المثل المضروب المشكل الممثل الذي نضربه ونشكله هو العماء وهو الدائرة المحيطة وهو فلك الإشارات والنقط التي في الدائرة مثال أعيان الأرواح المهيمة والنقطة العظمى في هذه النقط العقل والدائرة التي إلى جانب النقطة العظمى التي في داخلها نقطتان هي النفس الكل واللوح المحفوظ وتانك النقطتان فيهما القوتان العلمية والعملية والأربع النقط المجاورات لدائرة النفس رتبة الطبيعة التي هي بنت الطبيعة العظمى والدائرة التي في جوف هذه الدائرة العظمى هي جوهر الهيولى وهو الهباء والشكل المربع فيه هو العرش والدائرة في جوف هذا الشكل المربع هو الكرسي
420
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 420