نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 378
عن رتبة سيده وتخليص عبوديته لله من غيره كما أقر له بذلك في قبضة الذرية يريد الحق أن يستصحبه ذلك الإقرار في حياته الدنيا موضع الحجاب والستر فإن الحق له التقدم على الخلق بالوجود من جميع الوجوه وبالمكانة والرتبة فكان ولا مخلوق هذا تقدم الوجود وقدر وقضى وحكم وأمضى إمضاء لا يرد ولا يقضى عليه فهذا تقدم الرتبة فما تشاءون إلا أن يشاء الله أن تشاؤا فوجب التأخر عن رتبة الحق من جميع الوجوه فإن العبد أعطى الكثرة لتكون الأحدية له تعالى وأعطى كل مخلوق أحدية التمييز لتكون عنده الأحدية ذوقا فيعلم إن ثم أحدية ليعلم منها الأحدية الإلهية حتى يشهد بها لله تعالى إذ لو لم يكن لمخلوق أحدية ذوقا يتميز بها عما سواه ما علم إن لله أحدية يتميز بها عن خلقه فلا بد منها فللكثرة أحدية الكثرة ولكل عدد أحدية لا تكون لعدد آخر كالاثنين والثلاثة إلى ما فوق ذلك مما لا يتناهى وجودا عقليا فلكل كثرة من ذلك أحدية تخصه وعلى كل حال أوجب الحق على عبده أن يتأخر عن رتبة خالقه كما أخر سبحانه علمنا به عن علمنا بأنفسنا فوجود العلم المحدث به متأخر بالوجود عن وجود العلم المحدث بنا وجعل المفاضلة في العالم بعضه على بعض لنعرف المفاضلة ذوقا من نفوسنا فنعلم من ذلك فصل الحق علينا وإن تأخر علمنا به عن علمنا بنفوسنا لنعلم أن علمنا بنفوسنا إنما كان للدلالة على علمنا به فعلمنا أنا مطلوبون له لا لأنفسنا وأعياننا لأن الدليل مطلوب للمدلول لا لنفسه ولهذا لا يجتمع الدليل والمدلول أبدا فلا يجتمع الخلق والحق أبدا في وجه من الوجوه فالعبد عبد لنفسه والرب رب لنفسه فالعبودية لا تصح إلا لمن يعرفها فيعلم أنه ليس فيها من الربوبية شئ والربوبية لا تصح إلا لمن يعرفها فيعرف أنه ليس فيها من العبودية شئ فأوجب على عباده التأخر عن ربوبيته فشرع له الصلاة ليسميه بالمصلي وهو المتأخر عن رتبة ربه ونسب الصلاة إليه تعالى ليعلم أن الأمر يعطي تأخر العلم الحادث به عن العلم الحادث بالمخلوق فقال هو الذي يصلي عليكم وملائكته وقال فصل لربك ولما علمنا أنه من تأخر عن أمر فقد انقطع عنه علمنا إن كل واحد قد تميز في رتبته عن الآخر بلا شك وإن أطلق على كل واحد ما أطلق على الآخر فيتوهم الاشتراك وهو لا اشتراك فيه فإن الرتبة قد ميزته فيقبل كل واحد ذلك الإطلاق على ما تعطيه الرتبة التي تميز بها فإنا نعلم قطعا إن الأسماء الإلهية التي بأيدينا تطلق على الله وتطلق علينا ونعلم قطعا بعلمنا برتبتنا وبعلمنا برتبة الحق إن نسبة تلك الأسماء التي وقع في الظاهر الاشتراك في اللفظ بها إلى الله غير نسبتها إلينا فما انفصل عنا إلا بربوبيته وما انفصلنا عنه إلا بعبوديتنا فمن لزم رتبته منا فما جنى على نفسه بل أعطى الأمر حقه فقد بان لك الحق * وقد بان لك الخلق * فقل ما شئت أو سمه * فكل قوله حق فما في كونه مين * وما في كوننا صدق وفي هذا المعنى قول لبيد ألا كل شئ ما خلا الله باطل قال رسول الله ص في هذا البيت أصدق بيت قالته العرب قول لبيد يعني هذا النصف منه قلنا وهذه رتبة ما خص الله بها أحدا من الناس وأثنى عليه بها إلا الذاكر وذلك أن الذاكر هو الذي كان له علم بأمر ما ثم نسيه لما جبل عليه الإنسان من النسيان كما قال الله عز وجل نسوا الله فنسيهم وصورة نسيانهم إنهم توهموا بما أضاف الله إليهم من الأعمال والأموال والتمليك أن لهم حظا في الربوبية أو ضرب الله لهم بسهم فيها بقوله أو ما ملكت أيمانكم فلما اعتنى الله تعالى بمن اعتنى منهم وآتاه رحمة من عنده ذكر اسم ربه والله يقول أنا جليس من ذاكرني والذاكرون هم جلساء الحق فأورثه الذكر مجالسة الحق وأورثته المجالسة مشاهدة الحق ورؤيته في الأشياء يقول الصديق ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله وعمر معه وغيره بعده وغيره فيه وغيره ما رأيت شيئا من غير ارتباط بشئ وأورثته رؤية الحق تأخره عما كان يتوهم من أن الله تعالى ضرب له بسهم في الربوبية وإنها من نعوته وله فيها قدم بوجه ما فتأخر عن ذلك بالذكر فقال وذكر اسم ربه فصلى أي تأخر إلى مقام عبودته وأفرد الربوبية لله تعالى فأفلح من جميع وجوهه وليست هذه الصفة مشاهدة لغير الذاكر فالذاكر عبد مخلص لله تعالى ألا ترى إلى ما قال في الذي اتصف بنقيض هذه الحال لما جاءه ذكر ربه وهو القرآن يذكره بنفسه وبربه فلا صدق من أتى به أنه من عند ربه ولا صلى يقول ولا تأخر عن دعواه وتكبره وقد سمع قول الله الحق ولو لم يكن من عند الله فينبغي للعاقل إذا سمع الحق
378
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 378