نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 357
الرجل والتثبت مخافة الوقوع في مهلك من مهالكه فإذا ثبت قدمي في موضع أحس به ولا أبصره حينئذ شرعت في نقله أطلب موضعا أنتقل إليه فإذا وقعت قدمي بفراغ علمت إن هنالك مهلكا فسرت أتتبع بقدمي يمينا وشمالا حتى أجد لقدمي موضعا يستقر فيه وأنا معتمد على القدم الأخرى وما زلت كذلك أنتقل من مكان إلى مكان في هذه الظلمة ولا أبصر شيئا لعدم النور من الخارج المقارن لنور بصري فكان رجلي بصري فعلمت من ذلك قدر ما تصرفت فيه وأنا على حذر ما أدري ما يعرض لي في طريقي من حيوان يؤذيني ولا أحس به حتى يوقع الأذى بي ومع هذا خاطرت بنفسي لأني قلت أنا في ظلمة على كل حال فسواء علي قعدت أو تصرفت فإني إذا قعدت لم آمن أن يأتيني حيوان يؤذيني وإن تصرفت لم آمن أيضا من حيوان يؤذيني أو مهلك أقع فيه فالتثبت في التصرف أرجى لي فرجحته على القعود طلبا للفائدة فبينا أنا كذلك إذ فجئني نور الشرع من خارج بصورة سراج مصباح لا تحركه الأهواء لكونه في مشكاة ومشكاته الرسول فهو محفوظ من الأهواء التي تطفيه وذلك المصباح في زجاجة قلبه وجسمه المصباح واللسان ترجمته والإمداد الإلهي زيته والشجرة حضرة إمداده فاجتمع نور البصر مع هذا النور الخارج فكشفنا ما في الطريق من المهالك والحيوانات المضرة فاجتنبنا كل ما يخاف منها ويحذر وسلكنا محجة بيضاء ما فيها مهلك ولا حيوان مضر ولو تعرض إلينا عدلنا عنه لاتساع الطريق وسهولته والموانع والحصون التي فيه المانعة ضرر تلك الحيوانات فمن لم يجعل الله له نورا فما له من نور وبعد أن ظهر هذا المصباح لم ينطف ولا زال فمن استدبره وأعرض عنه مشى في ظلمة ذاته وتلك الظلمة ظلمته فيكون ممن جنى على نفسه بإعراضه عن المصباح واستدباره فهذا حكم من ترك الشرع واستقل بنظره فهو وإن ثبت في سعيه لظلمة ذاته على خطر من دواب الطريق وإن لم يقع في مهلك فينبغي للعاقل أن لا يستعجل في أمر له فيه أناة ولا يتأتى في أمر يكون الحق في المبادرة إليه والإسراع في تحصيله هذا فائدة العقل في العاقل ورأيت في هذا المنزل علوما جمة منها علم الحاصل في عين الفائت لأنه لولا ذلك ما علمت فضل الحاصل على الفائت في حقك إذا كان فيه سعادتك ولا فضل الفائت على الحاصل إذا كان الفائت مطلوبك ولو حصل لك أشقاك وأنت لا تعلم فكان الفضل فيه في حقك فوته فإن بفوته سعدت وهذا لا يكون إلا لمن أسعده الله وهو قوله تعالى وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ومنه ما روى أن رسول الله ص قبل رسالته كان يرعى الغنم بالبادية فيريد أن يدخل إلى مكة ليصيب فيها ما يصيب الشبان فإذا دخل مكة وترك في الغنم بعض من يعرفه يحفظها حتى يأتي إليه يرسل الله عليه النوم فيفوته تحصيل ما دخل من أجله فيستعجل الرجوع إلى غنمه فيخرج وقد فاته ما دخل من أجله وكانت في ذلك عصمته وحفظه من حيث لا يشعر ويقال في المثل في هذا المعنى من العصمة أن لا تجد وفي هذا المنزل من العلوم علم أحدية الأفعال وهو أمر مختلف فيه فمن مثبت ذلك للحق تعالى ومن مثبت ذلك للخلق فهو أحدي في الطائفتين ومن مثبت في ذلك شركا خفيا وهم القائلون بالكسب وفيه علم ما لا يعلم إلا بالوهب ليس للكشف فيه مدخل جملة واحدة وهو ما لا يدرك إلا بذات المدرك اسم فاعل على حسب ما هو المدرك اسم فاعل عليه فإن كان ممن تنسب إليه الحواس فالحواس له ذاتية لا محالها المعين لها وإن كان ممن لا تنسب إليه الحواس فإدراكه للأمور المحسوسة كصاحب الحواس أيضا بذاته ولا يقال إنها محسوسة له لأنه لا ينسب إليه حس فهي معلومة له والحواس طريق موصلة إلى العلم والعلم بالأمر هو المطلوب لا بما حصل فقد رأيت الأكمه يدرك الفرق بين الألوان مع فقد حس البصر وجعل الله بصره في لمسه فيبصر بما به يلمس وفيه علم الإعلام بتوحيد الحق نفسه في ألوهيته بأي لسان اعلم ذلك وما السمع الذي أدرك هذا الإعلام الإلهي إذا تبعه الفهم عنه فإن لم يتبعه فهم فهل يقال فيه إنه سمع أم لا وفيه علم رتبة الإنسان الحيوان ومزاحمته الإنسان الكامل بالقوة فيما لا يكون من الإنسان الكامل إلا بالفعل وأن الإنسان الكامل يخالف الإنسان الحيوان في الحكم فإن الإنسان الحيوان يرزق رزق الحيوان وهو للكامل وزيادة فإن الكامل له رزق إلهي لا يناله الإنسان الحيوان وهو ما يتغذى به من علوم الفكر الذي لا يكون للإنسان الحيوان والكشف والذوق والفكر الصحيح وفيه علم رحمة الله بالعالم حيث أحالهم على الأسباب وما جعل لهم رزقا إلا فيها
357
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 357