نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 312
مخصصة إذ قصارى الناظر في ذلك التوقف حتى يرى ما تعطيه قرائن الأحوال فيها وهذه آية صاحب الدليل العقلي لكنه جاء هذا للنفي والإثبات للمثلية باللسان العربي والمماثلة في اللسان على غير المماثلة التي اصطلح على إطلاقها العقلاء فيحتاج العاقل أن يتكلف دليلا على إن الحق أراد المماثلة العقلية ولا دليل يطلب من صاحب اللسان فيها فإنه بلسانه نزلت وعلى اصطلاحه ومثل هذا لا يدرك بالقياس ولا بالنظر فإنه يرجع إلى قصد المتكلم ولا يعرف ما في نفس المتكلم إلا بإفصاحه عما في نفسه وقد قال تعالى وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه والعربي لا يعرف المماثلة العقلية ولا ينكرها إذا سمعها وكل لفظ ورد في وصف الله تعالى معرى عن لفظة المثل وحرف كاف الصفة فقد تعرى عن أدوات التشبيه ولحق بالألفاظ المشتركة واعلم أن كاف الصفة لا فرق بينها وبين لفظة المثل وإن كان لهذا الحرف مواطن من جملتها موطن الصفة فإذا وردت في موطن الصفة في اللسان وهو أن تقول زيد كعمرو فإن العرب لا تريد إلا الإفادة فمن المحال أن تجئ بمثل هذا وتريد به أنه يماثله في الإنسانية وهي المماثلة العقلية وإنما تريد أنه كعمرو في الكرم مثلا أو في الشجاعة أو في الفصاحة أو في العلم أو في الحسن وما أشبه ذلك مما دل عليه الحال بقرينته عند السامع لتقع له الفائدة فإذا قال ليس كمثله شئ فلا بد أن يقول فيما ذا أو يدل عليه قرينة الحال في المجلس ولا سيما وقد أردف نفي المماثلة بقوله وهو السميع البصير وهاتان صفتان محققتان في المخلوق فلا بد أن تحقق ما نفى وأن يعلم هل هي كاف الصفات أو غيرها مما يطلبه اللسان منها بما وضعها له فإن كانت كاف صفة هنا فما نفى إلا مماثلة المثل أن يماثل فأثبت المثل له بالهاء التي في مثله وهي ضمير يعود على الحق ومعلوم أن المثل ليس عين مماثله ولو كان عين من هو مثل له ما كان مثلا له لا عقلا ولا شرعا فوجود المثل عين إثبات الغير بلا شك فإن عمت المماثلة فهي العقلية بلا شك ولا ينكرها اللسان وإن خصت فهي لما خصت له حقيقة لا مجازا مثل زيد كالبحر لاتساعه في العلم أو في الجود ومن العلماء من جعل الكاف في ليس كمثله شئ زائدة فإن كانت جاءت لمعنى فما هي زائدة فإن ذلك المعنى الذي سيقت له لا يظهر ولا يحصل إلا بها في نفس المخاطب فانتفى إن تكون زائدة فإن الله ما خلق شيئا باطلا ولا عبثا والزائد لغير معنى إنما هو عبث والعرب من المحال أن تجئ بزائد لغير معنى فإذا جاءت بهذا الحرف جاءت به لمعنى فهو لما جاءت به فإن المتكلم لا يجئ بالكلمة فيما يقوله النحوي زائدة إلا لقصد التوكيد فإذا زالت زال التوكيد فإذا ما هي زائدة فإن الكلام المؤكد ما استقل دونها وما يقوم مقامها فإذا أكد تعالى نفي المثل فما هي زائدة فجعل تأكيد نفي المثل في مقابلة من أثبت المثل فرضا ووجودا في زعمه والصحيح في هذه الكاف أنها كاف الصفة بقرائن الأحوال أي لو فرض له مثل لم يماثل ذلك المثل فأحرى إن لا يماثل فهو أبلغ في نفي المماثلة في اللسان ثم نقول في قولنا بقرائن الأحوال لكون الحق ما وصف الإنسان الكامل إلا بما وصف به نفسه فنفى مماثلة الإنسان الكامل أن يماثله شئ من العالم ويعضد هذا قوله إنه خلق آدم على صورته فهذا خبر يقع به الأنس للنفس فما في العالم زائد لغير معنى لأنه ما فيه عبث ولا باطل بل كل ما فيه مقصود لمعنى فإن قلت فأين المماثلة في الفعل قلنا بيان هذا من وجهين الوجه الواحد أن يفعل بآلة ظاهرة فإذا قمت في توحيده في الأفعال جعلنا آلة له فيفعل بنا ما ينسب في الشاهد لنا فعله فنحن له كالقدوم للنجار والإبرة للخائط مثلا هذا إذا جعلناه مثلا لنا فإذا جعلنا أنفسنا مثلا له وهو الوجه الآخر من الوجهين في الجواب وهو الفعل بالإرادة والقصد وهي آلة باطنة فإنها نسبة فهو يفعل بالإرادة فإذا كان الإنسان صاحب همة نافذة فإنه يفعل بهمته كان مثلا له ولا يوجد ذلك في كل إنسان من هذا النوع فإنما نحن به وله فيفعلنا ويفعل بنا ويفعل فينا فلا يثبت التوحيد في الأعمال إلا أن نكون آلة لا بد من ذلك والله العالم والمعلم الذي اطلع من شاء على ما شاء من علمه وفي هذا المنزل من العلوم علم ما بقي من الزمان لقيام الساعة وفيه علم الفرق بين ما ينزل من العلم على قلوب العلماء من حضرة الربوبية وحضرة الرحمانية دون غيرهما من الحضرات الإلهية وفيه علم ما ينبغي أن يكون عليه صاحب هذا العلم من الصفة وهل يصح هذا العلم لمن لا يرفع به رأسا أم لا وفيه علم الأسرار التي لا تذاع وفيه علم الرد والقبول وفيه علم الفرق بين الرؤيا والمبشرات وأن الرؤيا أعم والمبشرات أخص فإن الإنسان قد يرى ما يحدث به نفسه وما يلعب به الشيطان أو يحزنه ولو لم يكن لذلك أثر
312
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 312