نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 296
فقد تبين الحق من الخلق من وجه وقد ظهر بصورته أيضا من وجه واعلم أن الطبيعة ظل النفس الكلية الموصوفة بالقوتين المعبر عنها بلسان الشرع باللوح المحفوظ فما لم يمتد من ظل النفس وبقي فيها فهو الذي نزلت به عن العقل في درجة النورية والإضاءة وما امتد من ظل النفس سمي طبيعة وكان امتداد هذا الظل على ذات الهيولى الكل فظهر من جوهر الهيولى والطبيعة الجسم الكل مظلما ولهذا شبهوه بالسبجة السوداء لهذه الظلمة الطبيعية وسموا النفس الزمردة الخضراء لما نزلت به عن العقل في النور وفي الجسم الكل ظهرت صور عالم الأجسام وأشكاله فكان ذلك للجسم الكل كالأعضاء فلما استعد الجسم بما استعد به توجهت عليه النفس وأنارته فانتشرت الحياة في جميع أعضائه كلها فتلك أرواح عالم الأجسام العلوي والسفلي من فلك وعنصر ثم استحال بعضه إلى بعضه لتأثير حكم الحركة الزمانية التي عينها الاسم الدهر في الأفلاك فظهرت للعين صور المولدات الفلكية كالكواكب والجنات ومرتبتها وما فيها والعنصرية من معدن ونبات وحيوان وصور غريبة وأشكال عجيبة في عين وجودية فما خرج شئ من العدم إلا الصور والأعراض من تركيب وتحليل والجوهر ثابت العين قابل لهذه الصور كلها دنيا وآخرة وإذا علمت هذا وتقرر فاعلم إن قوله تعالى يدبر الأمر يفصل الآيات أن المعنى المراد من ذلك التقدير والإيجاد فالتدبير للتقدير والتفصيل للإيجاد من فصلت الشئ عن الشئ إذا قطعته منه وفصلت بينه وبينه حتى تميز فإن كان الفصل عن تقدير فهو على صورته وشكله وإن كان عن غير تقدير فقد لا يكون على صورته وإن أشبهه في أمر ما فإنه يفارقه في أمر آخر كالبياض والسواد يشتركان في اللونية وإن كانا ضدين وكاللون والحركة يشتركان في العرضية وإن كانا مختلفين قال الشاعر ولأنت تفري ما خلقت * وبعض الناس يخلق ثم لا يفري وكالإسكاف وأمثاله من صائغ وخياط وحداد وأمثال ذلك يريد أن يقطع من جلد نعلا فيأخذ نعلا فيقدره على الجلد فإذا أخذ قدرة من الجلد قطع من الجلد ذلك المقدار وفصله منه والظلالات أوجدها الله على مثال الأشخاص ولما أراد فصلها مدها فظهرت أعيانها على صورة من هي ظله حذوك النعل بالنعل فلما خلق الله العالم دون الإنسان أي دون مجموعه حذا صورته على صورة العالم كله فما في العالم جزء إلا وهو على صورة الإنسان وأريد بالعالم كل ما سوى الله ففصله عن العالم بعد ما دبره وهو عين الأمر المدبر ثم إنه تعالى حذاه حذوا معنويا على حضرة الأسماء الإلهية فظهرت فيه ظهور الصور في المرآة للرائي ثم فصله عن حضرة الأسماء الإلهية بعد ما حصلت فيه قواها فظهر بها في روحه وباطنه فظاهر الإنسان خلق وباطنه حق وهذا هو الإنسان الكامل المطلوب وما عدا هذا فهو الإنسان الحيواني ورتبة الإنسان الحيواني من الإنسان الكامل رتبة خلق النسناس من الإنسان الحيواني هذا جملة الأمر في خلق الإنسان الكامل من غير تفصيل وأما تفصيل خلقه فاعلم إن الله لما خلق الأركان الأربعة دون الفلك وأدارها على شكل الفلك والكل أشكال في الجسم الكل فأول حركة فلكية ظهر أثرها فيما يليها من الأركان وهو النار فأثر فيه اشتعالا بما في الهواء من الرطوبة فكان ذلك الاشتعال واللهب من النار والهواء وهو المارج أي المختلط ومنه سمي المرج مرجا لأنه يحوي على أخلاط من الأزهار والنبات ومنه وقع الناس في هرج أي قتل ومرج أي اختلاط ففتح الله في تلك الشعلة الجان ثم أفاضت الكواكب النيرة بأمر الله وإذنه فإنه أوحى في كل سماء أمرها فطرحت شعاعها على الأركان والأركان مطارح الشعاعات فظهرت الأركان بالأنوار وأشرقت وأضاءت فأثرت وولدت فيها المعدن والنبات والحيوان وهي على الحقيقة التي أثرت في نفسها لأن الأفلاك أعني السماوات إنما أوجدها الله عن الأركان ثم أثرت في الأركان بحركاتها وطرح شعاعات كواكبها ليتولد ما تولد فيها من المولدات فبضاعتها ردت إليها فما أثر فيها سواها وجعل ذلك من أشراط الساعة فإنه من أشراطها أن تلد المرأة بعلها فولدت الأركان الفلك ثم نكحها الفلك فولد فيها ما ولد فهو ابنها زوجها ولم يظهر في الأركان صورة للإنسان الذي هو المطلوب من وجود العالم فأخذ التراب اللزج وخلطه بالماء فصيره طينا بيديه تعالى كما يليق بجلاله إذ ليس كمثله شئ وتركه مدة يختمر بما يمر عليه من الهواء الحار الذي يتخلل أجزاء طينته فتخمر وتغيرت رائحته فكان حمأ مسنونا متغير الريح ومن أراد أن يرى صدق ذلك إن كان في إيمانه
296
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 296