نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 270
في محل واحد والمراد من هذا الذي ذكرناه تعريفك بنسبة العبد من الله ما له من هذه النسب فاعلم إن الإنسان الكامل جمع بذاته هذه الأمور كلها وليس ذلك لغيره فهو مع الحق مثل ضد خلاف كما إن ما ذكرناه له هذا الحكم أيضا على كل واحد من هؤلاء الثلاثة فإن البياض يخالف البياض بالمحل فإن المحل يميزه فيقال هذا البياض ما هو هذا البياض ويضاد مثله فإنهما لا يجمعهما محل واحد وهو مثل له لأن الحد والحقيقة تشملهما من جميع الوجوه فكل واحد مما ذكرناه يقبل ما يقبله الآخر من المثلية والضدية والخلافية والذي يحتاج إليه في هذا الباب معرفة الإنسان مع قرينه من الإنس إن عم أو مع غيره من العالم من حيث نسبة ما إن خص ومعرفة الإنسان مع الحق ليعلم صورته منه على ما ذا يكون فإنه قد اعتنى به غاية العناية ما لم يعتن بمخلوق بكونه جعله خليفة وأعطاه الكمال بعلم الأسماء وخلقه على الصورة الإلهية وأكمل من الصورة الإلهية ما يمكن أن يكون في الوجود فالإنسان الكامل مثل من حيث الصورة الإلهية ضد من حيث إنه لا يصح أن يكون في حال كونه عبدا ربا لمن هو له عبد خلاف من حيث إن الحق سمعه وبصره وقواه فأثبته وأثبت نفسه في عين واحدة فمن عرف نفسه عرف ربه معرفة مثل وضد وخلاف فهو الولي العدو قال تعالى لا تتخذوا عدوي وعدوكم يخاطب المؤمنين أولياء تلقون إليهم بالمودة لكونهم أمثالا لكم لما بين المثلين من الضدية فقال للمؤمن عامل العدو بضدية المثل لا بمودة المثل لأن حقيقتكما واحدة فافهم فإن العدو يريد إخراجك من الوجود كما قدمنا في معرفة الضد ولذلك قال تعالى في هذه الآية وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم فما عاملكم العدو وإن كان مثلكم إلا بضدية المثل لا بمودته وهذا عين ما ذكرناه من أن الضد يريد ذهاب عين ضده من الوجود فأمرنا إذا أرادوا ذلك بنا أن نقاتلهم فنذهب أعيانهم من الموضع الذي يكونون فيه فننقلهم إلى البرزخ بالقتل فانظر ما أعجب القرآن وما أعطى ص من العلم بالأمور وإن لم تسر هذه الضدية في ذات المثل فليس بمؤمن ولا هو عند الله بمكان ولكن يحتاج إلى ميزان وكشف صحيح حتى يعرف العدو الذاتي الذي ينبغي أن يعامله بمثل هذه المعاملة من العدو العرضي الذي تعرض له هذه العداوة ثم تزول عنه لزوال ذلك العارض الذي أوجبها كما قال تعالى يخبر عن بعض العباد بما يقول يوم القيامة يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان يعني شيطان الإنس لا شيطان الجن للإنسان خذولا فإنه قال ما أضلني عن الذكر إلا فلان وسمي إنسانا مثله حيث أصغى إليه وقلده في مقالته وحال بينه وبين اتباع ما أمره الله باتباعه وهو ما جاء به رسول الله ص وسبب ذلك ما جاءهم به عن الله من التحجير الجديد وإن كانوا في تحجير إذ لا بد منه لمصالح العالم ولكنهم كانوا قد ألفوه ونشأوا عليه ولم يعرفوا غيره فهم ما أنكروا التحجير وانما أنكروا هذا التحجير وإنما أنكروا هذا التحجير الخاص ومفارقة المألوف بالطبع عسير ولهذا لا يألف الطبع الألم وإن تمادى به فإنه يسر بزواله لعدم ألفة الطبع به فلو ألفه لتألم بزواله ولما لم يتمكن أن يكون كل إنسان له مرتبة الكمال المطلوبة في الإنسانية وإن كان يفضل بعضهم بعضا فأدناهم منزلة من هو إنسان حيواني وأعلاهم من هو ظل الله وهو الإنسان الكامل نائب الحق يكون الحق لسانه وجميع قواه وما بين هذين المقامين مراتب ففي زمان الرسل يكون الكامل رسولا وفي زمان انقطاع الرسالة يكون الكامل وارثا ولا ظهور للوارث مع وجود الرسول إذ الوارث لا يكون وارثا إلا بعد موت من يرثه فلم يتمكن للصاحب مع وجود الرسول أن تكون له هذه المرتبة فالأمر ينزل من الله على الدوام لا ينقطع فلا يقبله إلا الرسل خاصة على الكمال فإذا فقدوا حينئذ وجد ذلك الاستعداد في غير الرسل فقبلوا ذلك التنزل الإلهي في قلوبهم فسموا ورثة لم ينطلق عليهم اسم رسل مع كونهم يخبرون عن الله بالتنزل الإلهي فإن كان في ذلك التنزل الإلهي حكم أخذه هذا المنزل عليه وحكم به وهو المعبر عنه بلسان علماء الرسوم بالمجتهد الذي يستنبط الحكم عندهم وهو العالم بقول الله لعلمه الذين يستنبطونه منهم فهذا حظ الناس اليوم من التشريع بعد رسول الله ص ونحن نقول به ولكن لا نقول بأن الاجتهاد هو ما ذكره علماء الرسوم بل الاجتهاد عندنا بذل الوسع في تحصيل الاستعداد الباطن الذي به يقبل هذا التنزل الخاص الذي لا يقبله في زمان النبوة والرسالة إلا نبي أو رسول إلا أنه لا سبيل إلى مخالفة حكم ثابت قد تقرر من الرسول ص
270
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 270