نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 264
الكشف والشهود لما ذكرناه فإذا علم أو شاهد أن العالم كله ناطق بتسبيح خالقه والثناء عليه وهو في حال الشهود له كيف يتمكن له الزهد فيمن هذه صفته وعينه وذاته وصفاته من جملة العالم وقد أشهده الله وأراه آياته في الآفاق وهي ما خرج عنه وفي نفسه وهي ما هو عليه فلو خرج عن غيره ما خرج عن نفسه فمن خرج عن العالم وعن نفسه فقد خرج عن الحق ومن خرج عن الحق فقد خرج عن الإمكان والتحق بالمحال ومن حقيقته الإمكان لا يلحق بالمحال إذن فدعواه بأنه خرج عن كل ما سوى الله جهل محض وإنما ذلك انتقال أحوال لا يشعر بها لجهله فيخيل له جهله أن العالم بمعزل عن الله والله بمعزل عن العالم فيطلب الفرار إليه فهذا فرار وهمي وسبب ذلك عدم الذوق للأشياء وكونه سمع في التلاوة ففروا إلى الله وهو صحيح إلا إن هذا الفار بهذه المثابة لم يجعل باله إلى ما ذكر الله في الآية التي أتبعها هذه الآية وهي قوله ولا تجعلوا مع الله إلها آخر فلو عرف هذا التتميم عرف قوله ففروا إلى الله إنه الفرار من الجهل إلى العلم وأن الأمر واحد أحدي وأن الذي كان يتوهمه أمرا وجوديا من نسبة الألوهة لهذا الذي اتخذه إلها محال عدمي لا ممكن ولا واجب فهذا معنى الفرار المأمور به فإليه من حيث نسبة الألوهة إليه يكون الفرار فافهم وأما الفرار الثاني المتلو فقوله عن موسى ع ففررت منكم لما خفتكم لما علم إن الله وضع الأسباب وجعل لها أثرا في العالم بما يوافق الأغراض وبما لا يوافقها وبما يلائم الطبع وبما لا يلائمه وخلق الحيوان على مزاج يقبل به الألم واللذة بخلاف النبات والجماد فإنهما وإن اتصفا بالحياة عند أهل الكشف فإنهما على مزاج لا يقبل اللذة والألم ووقع من موسى ع ما وقع من قتل القبطي ففر إلى النجاة التي يمكن أن تحصل له بالفرار فرأى إن الفرار من الأسباب الإلهية الموضوعة في بعض المواطن لوجود النجاة فهو فرار طبيعي لأنه ذكر أن الخوف من السبب جعله يفر لكنه معرى عن التعريف بما ذكرناه من الوضع الإلهي فلم يوف النظر العقلي حقه فإن هذا كان قبل نبوته ومعرفته بما يريده الحق به فلما فر خوفا من فرعون تلقاه الحق بالنجاة وجمع بينه وبين رسول من رسله وهو شعيب ع ثم أعطاه النبوة والحكم الذي خاطب الله به القبط وبنى إسرائيل إن يكونوا عليه وأرسله بذلك إلى من خاف منه فكان ذلك الإرسال كالعقوبة لما لحقه من الخوف من السبب الموضوع ولم يوف السبب الموضوع حقه أعني النظر العقلي فكان ينبهه في الفرار أنه خوف من الله إذ لا قدرة مؤثرة للممكن في إيصال خير أو شر إلى ممكن آخر وإن ذلك كله بيد الله فجاءه بالرسالة والحكم من عند الله وأمنه بما أعطاه الله من العلم بما يؤول إليه أمره مع فرعون وآله وأراه إذ كلمه ما أراه من قلب العصا حية وإنما قلنا عقوبة كان ذلك الإرسال إلى فرعون وإن الخوف معه باق منه لقوله تعالى له ولأخيه حين قالا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى فقال الله لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى وقال لهما قولا له قولا لينا لعله يتذكر ما نسي مما كان قد علم من امتناننا عليه أو يخشى يقول أو يخاف مما يعرفه من أخذنا وبطشنا الشديد بمن قال مثل مقالته ممن تقدمه وحصل عنده العلم به وهذا مثل قوله تعالى لنبينا ص وجادلهم بالتي هي أحسن وقوله تعالى فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فهذا جدال في الله لين مأمور به وتعطف والترجي من الله إذا ورد واقع بلا شك ولهذا قال العلماء إن كلمة عسى من الله واجبة وقد ترجى من فرعون التذكر والخشية فلا بد أن يتذكر فرعون ذلك في نفسه وأن يخشى ولكن لم يظهر من ذلك شيئا على ظاهره وإن كان قد حكم التذكر والخشية على باطنه ولذلك لم يبطش بموسى ولا بأخيه في المجلس فإنه صاحب السلطان والقهر في ذلك الوقت فما منعه إلا ما قام به من التذكر والخشية من الحق ومانع آخر فلم يكن هناك إذ لو كان هناك مانع آخر ظاهر يلجأ إليه موسى ع ما قال إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى لعدم التكافؤ في القوة الظاهرة فأيده بما أوصاهما به من القول باللين فكانت هذه المخاطبة من جنود الله قابل بها جنود باطن فرعون فهزمهم بإذن الله فتذكر وخشي لما انهزم جيشه الذي كان يتقوى به فذل في نفسه فشغلته تلك الذلة والمعرفة عن إن يحكم بقوة ظاهرة فلم يبطش بهما في ذلك المجلس فهذه فائدة العلم فإن العلم إذا لم يتمر لصاحبه ما تعطيه حقيقته فما ثم علم أصلا ولا ذلك عالم وقد تقدم الكلام في مثل هذا فيما مضى من المنازل فالناس يأخذون بهذا الفرار الموسوي ولا يعرفون حقيقة ما أخذوا به ولا
264
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 264