responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي    جلد : 3  صفحه : 244


أهل الدنيا فيغمس في النار غمسة فيقال له هل رأيت نعيما قط فيقول لا والله ومعلوم أنه رأى نعيما ولكن حجبه شاهد الحال عن ذلك النعيم فنسيه وكذلك صاحب البؤس إذا غمس في الجنة غمسة يقال له هل رأيت بؤسا قط فيقول لا والله ما رأيت بؤسا قط فكذلك لو ردوا لكانوا بحسب النشأة والحال التي يردون فيها وأما عصاة المؤمنين فإنهم عالمون بإنفاذ الوعيد ولكن لا يعلمون فيمن فلو تعين لواحد منهم أنه هو الذي ينفذ فيه الوعيد لما قدم على سببه الذي علم أنه يحصل له إنفاذ الوعيد به وإذا جبر في اختياره فذلك لا يعلمه لأنه لا يجد ذلك من نفسه فإن الأمر في ذلك مشترك وقد تقدم قبل هذا الكلام عليه في بعض المنازل فمن شهد الجبر في اختياره علما من طريق الكشف والشهود أتى المخالفة بحكم التقدير لا بحكم الانتهاك فكان عاملا بما علم فلم يضره ذلك العمل بل هو مغفور له واعلم أن هذا القدر الذي ذكرناه في هذه المسألة هو من العلم الذي ورد فيه الخبر الذي لفظه أن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العالمون بالله فإذا نطقوا به لم ينكره عليهم إلا أهل الغرة بالله وهذا من طريق الكشف عند أهله حديث صحيح مجمع عليه عندهم خاصة عرفوه وتحققوه فجعله كهيئة المكنون ما جعله مكنونا إذ لو كان مكنونا لانفرد به تعالى فلما لم يعلمه إلا العلماء بالله علمنا إن العلم بالله يورث العلم بما يعلمه الله فهو مستور عن العموم معلوم للخصوص ومعنى العلم بالله أنه لا يعلم فقد علمنا إن ثم ما لا يعلم على التعيين وما عداه فيمكن العلم به فأكنة هذا العلم قلوب العلماء بالله فإذا نطقوا به فيما بينهم إذ لا يصح النطق به إلا على هذا الحد واتفق أن يكون في المجلس من ليس من أهله ولا من أهل الله فإن أهل الله هم أهل الذكر وهم العلماء بالله أنكره عليهم أهل الغرة بالله فأضاف أهليتهم إلى الغرة وهم الذين يزعمون أنهم عرفوا الله فمن العلم الذي هو كهيئة المكنون وما هو بمكنون هذا العلم فإن العلم المكنون يعلم شهودا ولا ينقال بخلاف علوم الفكر فإنها كلها تنقال فإذا حصلت أيضا لصاحب الكشف من غير فكر ولا روية فإنها تنقال من غير دليل فيقبلها منه العالم بالدليل فهذا العلم هو الذي كهيئة المكنون لأن العالم به غير عالم بالدليل فاعلم إن الديار داران دار تسكنها الأرواح الناطقة وهو البدن الطبيعي المسوي المعدل الذي خلقه الله بيديه ووجه عليه صفتيه فلما أنشأه أسكنه دار أخرى هي دار الدار وقسم سبحانه دار الدار قسمين قسما سماه الدنيا وقسما سماه الآخرة ثم علم ما يصلح لسكنى كل دار من الساكنين الذين هم ديار النفوس الناطقة فخلق للدار الدنيا لفنائها وذهاب عينها وتبدل صورتها ووضعها وشكلها وخفاء حياتها ساكنا هو هذه الدار التي أسكنها النفس الناطقة فجعل هذه النشأة مثل دار سكناها خفية الحياة فانية ذاهية العين متبدلة الصورة والوضع والشكل فاتصف ساكنها وهو النفس الناطقة بالجهل والحجاب والشك والظن والكفر والايمان وذلك لكثافة هذه الدار التي هي نشأته البدنية وحال بينه وبين شهود الله وجعله في حجر أمه ترضعه وتقوم به فما شهد من حين أسكن هذه النشأة سوى عين أمه حتى أنه جهل أباه بعض الساكنين ولولا إن الله من عليه بالنوم وجعل له في ذلك أمرا يسمى الرؤيا في قوة تسمى الخيال فإذا نام كأنه خرج عن هذه النشأة فنظر إليه أبوه وسر به وألقى إليه روحا وآنسه وبادرت إليه الأرواح وتراءى له الحق من تنزيهه وبدا له ذلك كله في أجساد ألف شهودها من جنس دار نشأته التي فارقها بالنوم فيظن في النوم أنه في دار نشأته التي ألفها ويعرفها ويظن في كل ما يراه في تلك المواد أنها على حسب ما شهدها فهذا القدر هو الذي له في هذه النشأة الدنيا من الأنس بأبيه وإخوانه من الأرواح ومن الأنس بربه ومنهم من يتقوى في ذلك بحيث إنه يرى ذلك في يقظته وأعطاه علما سماه علم التعبير عبر به في مشاهدة تلك الصور إلى معانيها فإذا أراد الله أن يخلي هذه الدار الدنيا من هذه النشأة التي هي دار النفس الناطقة أرحل عن هذه النشأة روحها المدبر لها وأسكنه صورة برزخية من الصور التي كان يلبسها في حال النوم فإذا كان يوم القيامة وأراد الله أن ينقله إلى الدار الأخرى دار الحيوان وهي دار ناطقة ظاهرة الحياة ثابتة العين غير زائلة أنشأ لهذه النفس الناطقة دارا من جنس هذه الدار الأخرى مجانسة لها في صفتها لأنها لا تقبل ساكنا لا يناسبها فخلق نشأة بدنية طبيعية للسعداء عنصرية للأشقياء فسواها فعدلها ثم أسكنها هذه النفس الناطقة فأزال عنها حجب العمي والجهل والشك والظن وجعلها صاحبة علم ونعيم دائم وأراها أباها ففرحت به وأراها خالقها ورازقها وعرف بينها وبين إخوتها وانتظم الشمل بالأحباب

244

نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي    جلد : 3  صفحه : 244
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست