نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 172
الرحمة المركبة وكان الذي يعضدهم أولا غضب الله الذي ظهر من إغضاب المخالفين فلما انقضى مجلس المحاكمة وكان الحق قد أمر بمن أمر به إلى السجن وهو جهنم كما قال وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا أي سجنا لأن المحصور مسجون ممنوع من التصرف بخلاف أهل الجنة فإن لهم التبوأ منها حيث يشاءون وليس كذلك أهل النار وهذا من الرفق الإلهي الخفي بعباده فلو أعطاهم التبوؤ من النار حيث يشاءون لكانوا لا يستقر بهم قرار طلبا للفرار من العذاب إذا أحسوا به رجاء أن يكون لهم في مكان آخر منها راحة وفي وقت العذاب ما فيها راحة فكان لا يبقى في جهنم نوع من العذاب إلا ذاقوه والعذاب المستصحب أهون من العذاب المجدد وكذا النعيم ولهذا يبدل الله جلودهم في النار إذا نضجت ليذوقوا العذاب فيمشي عليهم زمان يذوقون فيه العذاب مستصحبا إلى أن تنضج الجلود وحينئذ يتجدد عليهم بالتبديل عذاب جديد فلو كان لهم التبوؤ من جهنم حيث يشاءون لما استقروا حتى تنضج جلودهم بل كانوا يذوقون في كل موضع ينتقلون إليه عذابا جديدا إلى حصول الإنضاج فيكون ذلك الانتقال أشد في عذابهم فرحمهم الله من حيث لا يشعرون كما مكر بهم من حيث لا يشعرون فهذه سبعمائة رحمة وتسع عشرة رحمة مائة منها بيد الله لم يتصرف فيها أحد من خلق الله اختص بها لنفسه بها يرحم الله عباده بارتفاع الوسائط بل منه للمرحوم خاصة وهي على عدد الأسماء الإلهية أسماء الإحصاء التسعة والتسعين اسما رحمة واحدة لكل اسم من هذه المائة التي بيد الله لا علم لمخلوق بها وتمام المائة الرحمة المضافة إليه التي وسعت كل شئ فبهذه المائة رحمة ينظر إلى درج الجنة وهي مائة درجة وبها بعد انقضاء زمان استحقاق العذاب ينظر إلى دركات النار وهي مائة درك كل درك يقابل درجة من الجنة فتتأيد بهذه الرحمة الواسعة التسع عشرة رحمة التي تقاوم ملائكة العذاب في النار وتلك الملائكة قد وسعتهم فيجدون في نفوسهم رحمة بأهل النار لأنهم يرون الله قد تجلى في غير صورة الغضب الذي كان قد حرضهم على الانتقام لله من الأعداء فيشفعون عند الله في حق أهل النار الذين لا يخرجون منها فيكونون لهم بعد ما كانوا عليهم فيقبل الله شفاعتهم فيهم وقد حقت الكلمة الإلهية أنهم عمار تلك الدار فيجعل الحكم فيهم للرحمة التي وسعت كل شئ ولهذه التسعة عشرة رحمة التي هي الرحمة المركبة فأعطاهم في جهنم نعيم المقرور والمحرور لأن نعيم المقرور بوجود النار ونعيم المحرور بوجود الزمهرير فتبقى جهنم على صورتها ذات حرور وزمهرير ويبقى أهلها متنعمين فيها بحرورها وزمهريرها ولهذا أهل جهنم لا يتزاورون إلا أهل كل طبقة في طبقتهم فيتزاور المحرورون بعضهم في بعض ويتزاور المقرورون بعضهم في بعض لا يزور مقرور محرورا ولا محرور مقرورا وأهل الجنة يتزاورون كلهم لأنهم على صفة واحدة في قبول النعيم لأنهم كانوا هنا أعني في دار التكليف أهل توحيد لم يشركوا توحيد علم أو توحيد إيمان وأهل النار لم يكن لهم صفة التوحد وكانوا أهل شرك فلهذا لم يكن لهم صفة أحدية تعمهم في النعيم مطلقا من غير تقييد فهم في جهنم فريقان وأهل الجنة فريق واحد فينفرد كل شريك بطائفة وهؤلاء هم الثنوية ما ثم غيرهم وهم أهل النار الذين هم أهلها وأما أهل التثليث فيرجى لهم التخلص لما في التثليث من الفردية لأن الفرد من نعوت الواحد فهم موحدون توحيد تركيب فيرجى أن تعمهم الرحمة المركبة ولهذا سموا كفارا لأنهم ستروا الثاني بالثالث فصار الثاني بين الواحد والثالث كالبرزخ فربما لحق أهل التثليث بالموحدين في حضرة الفردانية لا في حضرة الوحدانية وهكذا رأيناهم في الكشف المعنوي لم نقدر أن نميز ما بين الموحدين وأهل التثليث إلا بحضرة الفردانية فإني ما رأيت لهم ظلا في الوحدانية ورأيت أعيانهم في الفردية ورأيت أعيان الموحدين في الوحدانية والفردانية فعلمت الفرق بين الطائفتين وأما ما زاد على أهل التثليث فالكل ناجون بحمد الله من جهنم ونعيمهم في الجنة يتبوؤون منها حيث يشاءون كما كانوا في الدنيا ينزلون من حضرات الأسماء الإلهية حيث يشاءون بوجه حق مشروع لهم كما كانوا إذا توضئوا يدخلون من أي باب شاءوا من أبواب الجنة الثمانية وإذا علمت هذا فاعلم أن هذه الرحمة المركبة تعم جميع الموجودات وأنها مركبة من رحمة عامة وهي التي وسعت كل شئ ومن رحمة خاصة وهي الرحمة التي تميز بها من اصطفاه الله واصطنعه لنفسه من رسول ونبي وولي وبهذه الرحمة المركبة جمع الله الكتب وأنزل كل كتاب سورا وآيات فمن آياته ما بقي كالقرآن وكل آية ظهرت بطريق الإعجاز ومن آياته ما لم يبق فبقي
172
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 172