نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 134
نسبته إليك فإنك لست مثله فلا تغرنك هذه المماثلة واعرف قدرك فإذا سمع مثل هذا طلب الصلح والإقالة مما وقع منه من النزاع وامتن المؤمن الحق عليه بما وقع له في المنشور من التنزيه الذي وقع النزاع من أجله فأصلح المؤمنون العالمون بين المؤمن الحق وبين هذا المؤمن الخلق فهكذا فليكن الفهم عن الله فيما أوحى به إلى عباده على ألسنة رسله وأنزله في كتبه ثم في أخوة الايمان درجة أخرى من درجات الكشف وهي قوله بعد أن تسمى لنا بالمؤمن وإنما المؤمنون إخوة لأبوة الايمان قال المؤمن مرآة أخيه وما ينطق عن الهوى هذا القائل فأثبت الأخوة بين المؤمنين وجعل كل واحد من المؤمنين مرآة لأخيه فيراه ويرى فيه نفسه من كونه على أي صورة كان كل مؤمن منهما بهذه المثابة فيكون المؤمن الحق مرآة للمؤمن الخلق فيراه ويعلم أنه يراه كما يعلم صاحب المرآة أن له مرآة ثم ينظر فيها فلا يرى إلا صورته وصورة ما أثرت المرآة فيه ولهذا جعل له عينين ليرى بالعين الواحدة صورته وبالعين الأخرى ما حكمت به المرآة في صورته إذ لم يكن في نفسه على ما حكمت به المرآة عليه في الصورة المحسوسة من الكبر والصغر والطول والعرض والاستقامة والانتكاس على حسب شكل المرآة ولا يرى هذا الأثر كله هذا الناظر إلا في صورته فيعلم إن له فيه حكما ذاتيا لا يمكن أن يرى نفسه في هذه المرآة إلا بحسب ذلك فإذا كان المؤمن الخلق هو عين المرآة للمؤمن الحق فيراه الحق وهو في نفسه على استعداد خاص فلا يبدو من الحق له إلا على قدر استعداده فلا يرى الحق من نفسه في هذه المرآة الخاصة إلا قدر ذلك فآثرت هذه المرآة في إدراك الرائي القصور على ما رأى بحكم الاستعداد فأشبهه من هذا الوجه فعبر عن هذا المقام بالإخوة إذ لولا المناسبة بين الأمرين لم يكن كل واحد من الأمرين مرآة لأخيه وما نصب الله هذا المثال وخلق لنا هذه المرائي إلا ليعطينا النظر فيها إصلاح ما وقع في صورتنا من خلل وما يتعلق بها من أذى لتزيله على بصيرة فهي تجل لإزالة العيوب فيدلك هذا أن الرائي في المرآة يحصل له علم لم يكن يراه قبل ذلك ففي المؤمن المخلوق يقرب ذلك ويصح وفي المؤمن الحق يعسر مثل هذا فهو قوله تعالى في المؤمن الحق ولنبلونكم حتى نعلم كذلك إذا رأى الحق نفسه في مرآة المؤمن المخلوق رأى أنه بحكم استعدادها لا يرى غير ذلك فيها فيزيل عنه هذا الحكم بنظره في مراء متعددة فيختلف الحكم في الصورة الواحدة باختلاف الاستعدادات وهو عينه لا غيره فيعلم عند ذلك أن حكم الاستعداد أعطى ما أعطى وأنه على ما هو عليه في نفسه فزال ما تعلق به من أذى التقيد كما أزال الابتلاء أذى التردد وطلب إقامة الحجة ليكون هو الغالب فقال حتى نعلم فجعل الابتلاء سبب حصول هذا العلم وما هو سبب حصول العلم وإنما هو سبب إقامة الحجة حتى لا يكون للمحجوج حجة يدفع بها وأما مماثلة الصورة في الخلق فهي للنيابة والخلافة ما هي للاخوة فإنه من حيث صورة العالم من العالم كما هو الروح من الجسد من صورة الإنسان وهو من حيث صورة الحق ما يظهر به في العالم من أحكام الأسماء الإلهية التي لها التعلق بالعالم فليست الصورة بإخوة كما يراه بعضهم ولهذا لم نذكر الأخوة إلا في أمر خاص وهو المؤمن إلا إن الصورة تشد آزر إخوة الايمان بالسببية فإن الأسباب لولا ما لها أثر في المسبب ما أوجدها الله ولو لم يكن حكمها في المسببات ذاتيا لم تكن أسبابا ولم يصدق كونها أسبابا ويعلم ذلك فيمن لا يقبل الوجود إلا في محل وما ثم محل ويريد الموجد إيجاده فلا بد أن يوجد المحل لوجود هذا المراد وجوده فيكون وجود المحل سببا في وجود هذا المراد الذي تعلقت الإرادة به وبإيجاده فعلمت إن للأسباب أحكاما في المسببات فهي كالآلة للصانع فتضاف الصنعة والمصنوع للصانع لا للآلة وسببه أنه لا علم للآلة بما في نفس الصانع أن يصنع بها على التعيين بل لها العلم بأنها آلة لا صنع الذي تعطيه حقيقتها ولا عمل للصانع إلا بها فصنع الآلة ذاتي وما لجانب الصانع بها إرادي وهو قوله إذا أردناه أن نقول له كن وكن آلة للإيجاد فما أوجد إلا بها وكون تلك الكلمة ذاته أو أمرا زائدا علم آخر إنما المراد هو فهم هذا المعنى وإنه ما حصل الإيجاد بمجرد الإرادة دون القول ودون المريد والقائل فظهر حكم الأسباب في المسببات فلا يزيل حكمها إلا جاهل بوضعها وما تعطيه أعيانها ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ولهذا قال موسى وأشركه في أمري وقال اشدد به أزرى وهو أفصح مني لسانا فعلم ما قال وعلمنا نحن من هذا القول ما أشار إليه به ليفهم عنه صاحب عين الفهم فهذا معنى التعاون وهو في قوله واستعينوا بالله وإياك نستعين والله في عون العبد ما دام العبد في عون
134
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 134