نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 124
لأمر الله فلم يقم بما قصد له من الخلق والأمر ولما خلق الله الثقلين في هذا المقام الذي قصده بخلقهم وهو أجلية الحق فرغهم لذلك حتى لا يقوم لهم حجة بالاشتغال بما به قوامهم فخلق الأشياء التي بها قوامهم خاصة من أجلهم ليتفرغوا لما قصد بهم فقامت عليهم حجة الله إذا لم يقوموا بما خلقوا له ثم إنه علم من بعضهم أنه يقوم له شبهة في السعي فيما خلق من أجله في حق الغير لما بلغه إن الله يقول جعت فلم تطعمني وقال لما قال له العبد يا رب وكيف تطعم وأنت رب العالمين فقال الله له ألم تعلم أنه استطعمك فلان فلم تطعمه أما أنك لو أطعمته وجدت ذلك عندي فأنزل الحق نفسه منزلة ذلك الجائع فلما لاحت له هذه الشبهة قال نسعى في حق الغير وننتفع بما نسعى به بحكم التبع فقال الله له ما فهمت عني ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين لا أنتم فما بقيت لهم حجة بتمام الآية وأما اعتمادهم على ذلك الخبر فلا يقوم لهم به حجة عند الله فإنه لما خلق الأشياء من أجلك التي بها قوامك أعطاك إياها وأوصلها إليك ليكون بها قوامك ثم أفضل لبعضهم من ذلك ما يزيد على قوامهم ليوصله إلى غيره ليكون به قوام ذلك الغير ويحصل لهذا أجر أداء الأمانة التي أمنه الله عليها فذلك هو الذي عتبة الحق حيث استطعمه فلان وكان عنده ما يفضل عن قوامه فلم يعطه إياه فلم يلزم من هذا الخبر أن يسعى في حق الغير وهو المراد في تمام الآية في قوله ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون ولما خلق الله الإنسان وأعطاه الجدل قال بعضهم لما استطعمني فلان وعندي ما يفضل عن قوامي فلو كان لهذا المستطعم أمانة عندي ما استطعت إمساكها فلذلك لم نطعمه فقيل له ما قيل لإبليس متى علمت أنه ليس له أبعد ما منعته أو قبل ذلك أعطاك الله علم الكشف أنه ليس لهذا أو عين لك صاحبه أو ما علمت أنه ليس له إلا بعد حصول المنع منك وانصرافه عنك فلا بد أن يقول بعد المنع علمت ذلك فيقال له بذلك أخذت فإن إبليس قال للحق أمرتني بما لم ترد أن يقع مني فلو أردت مني السجود لآدم لسجدت فقال الله له متى علمت أني لم أرد منك السجود بعد وقوع الإباية منك وذهاب زمان الأمر أو قبل ذلك فقال له بعد ما وقعت الإباية علمت أنك لو أردت السجود مني لسجدت فقال الله له بذلك أخذتك ولم يؤاخذ أحد إلا بالجهل فإن أهل العلم الذين طالعهم الله بما يحدثه من الكوائن في خلقه قبل وقوعها لا يؤاخذون على ما لم يقع منهم مما أمروا به بالواسطة أن يقع منهم فإنهم في عين القربة بالاطلاع وليس المراد بامتثال الأمر إلا القربة ومحل القربة ليس بمحل تكليف فإذا وقع من المقربين أعمال الطاعات فبشهود فإنهم على بينة من ربهم فهم عاملون من حيث شهودهم الأمر الإلهي من غير الواسطة التي جاءت به فهم بالصورة في الظاهر اتباع الأمر بالواسطة وفي الباطن أصحاب عين لا أتباع فالحاصل من هذا أنه من لم يغب عن عبوديته لله في كل حال فقد أدى ما خلق له وكان طائعا وسواء كان مطيعا أو مخالفا فإن العبد الآبق لا يخرجه إباقه عن الرق وإنما يخرجه عن لوازم العبودية من الوقوف بين يدي سيده لامتثال أوامره ومراسمه ألا ترى اسم العبودية ينسحب عليه سواء كان مطيعا أو مخالفا كما يبقى اسم البنوة على الابن سواء كان بارا أو عاقا فالعبد الذي وفى ما خلق له لا يخلو أمره في نفسه من حالتين إما أن يكون مشهوده قيمته فهو يقوم في مقام قيمته فيصحبه الانكسار والتسليم والخضوع وإما أن يقام في حال الاعتزاز بسيده فيظهر عليه العجب بذلك والنخوة كعتبة الغلام لما زهى فقيل له في ذلك فقال وكيف لا أزهو وقد أصبح لي مولى وأصبحت له عبدا كما هو الأمر في نفسه ولكن الفضل في أن يكون ذلك الأمر مشهودا له فهاتان حالتان محمودتان تشهد كل واحدة منهما للعبد بأنه وفى بما خلق له وبقي أي الجالتين أولى بالعبد هل شهود القيمة أو الاعتزاز بالسيد فمن قائل بهذا ومن قائل بهذا والصحيح عندي عدم الترجيح في ذلك لما نذكره وذلك أن المقامات والمواطن تختلف فالموطن الذي يطلب ظهور الاعتزاز بالله لا ينبغي أن يظهر فيه العبد إلا بالاعتزاز بالله والموطن الذي يقتضي ويطلب بذاته شهود العبد قيمته لا ينبغي أن يظهر فيه هذا العبد إلا بشهود قيمته وقد احتج بعضهم في الاعتزاز بقوله تعالى ففررت منكم لما خفتكم وبأمره تعالى ففروا إلى الله وهذه حجة للفريقين فإنه قد يفر إلى الله لطلب الاعتزاز بالله وقد يفر إلى الله لتكون ذلته إلى الله وحاجته لا إلى غيره إذ هو مفطور على الحاجة والافتقار ولهذا قال بعد الأمر بالفرار إلى الله تعالى ولا تجعلوا مع الله إلها آخر تفتقرون إليه بل فروا
124
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 124