responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي    جلد : 1  صفحه : 306


صورة حسية حقيقة فلا يكون للحس فضل على الخيال لأن الحس يعطي الصور للخيال فكيف يكون المؤثر فيه مؤثرا فيمن هو مؤثر فيه فما هو مؤثر فيما هو مؤثر فيه وهذا محال عقلا فتفطن لهذه الكنوز فإن كنت حصلتها ما يكون في العالم أعني منك إلا من يساويك في ذلك واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الصور ما هو فقال صلى الله عليه وسلم هو قرن من نور ألقمه إسرافيل فأخبر أن شكله شكل القرن فوصف بالسعة والضيق فإن القرن واسع ضيق وهو عندنا على خلاف ما يتخيله أهل النظر في الفرق بين ما هو أعلى القرن وأسفله ونذكره إن شاء الله بعد هذا في هذا الباب فاعلم إن سعة هذا القرن في غاية السعة لا شئ من الأكوان أوسع منه وذلك أنه يحكم بحقيقته على كل شئ وعلى ما ليس بشئ ويتصور العدم المحض والمحال والواجب والإمكان ويجعل الوجود عدما والعدم وجودا وفيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم أي من حضرة هذا اعبد الله كأنك تراه والله في قبلة المصلي أي نخيله في قبلتك وأنت تواجهه لتراقبه وتستحيي منه وتلزم الأدب معه في صلاتك فإنك إن لم تفعل هذا أسأت الأدب فلولا أن الشارع علم أن عندك حقيقة تسمى الخيال لها هذا الحكم ما قال لك كأنك تراه ببصرك فإن الدليل العقلي بمنع من كان فإنه يحيل بدليله التشبيه والبصر فما أدرك شيئا سوى الجدار فعلمنا إن الشارع خاطبك أن تتخيل أنك تواجه الحق في قبلتك المشروع لك استقبالها والله يقول فأينما تولوا فثم وجه الله ووجه الشئ حقيقته وعينه فقد صور الخيال من يستحيل عليه بالدليل العقلي الصورة والتصور فلهذا كان واسعا وأما ما فيه من الضيق فإنه ليس في وسع الخيال أن يقبل أمرا من الأمور الحسية والمعنوية والنسب والإضافة وجلال الله وذاته إلا بالصورة ولو رام أن يدرك شيئا من غير صورة لم تعط حقيقته ذلك لأنه عين الوهم لا غيره فمن هنا هو ضيق في غاية الضيق فإنه لا يجرد المعاني عن المواد أصلا ولهذا كان الحس أقرب شئ إليه فإنه من الحس أخذ الصور وفي الصور الحسية يجلي المعاني فهذا من ضيقه وإنما كان هذا حتى لا يتصف بعدم التقييد وبإطلاق الوجود وبالفعال لما يريد إلا الله تعالى وحده ليس كمثله شئ فالخيال أوسع المعلومات ومع هذه السعة العظيمة التي يحكم بها على كل شئ قد عجز أن يقبل المعاني مجردة عن المواد كما هي في ذاتها فيرى العلم في صورة لبن أو عسل وخمر ولؤلؤ ويرى الإسلام في صورة قبة وعمد ويرى القرآن في صورة سمن وعسل ويرى الدين في صورة قيد ويرى الحق في صورة إنسان وفي صورة نور فهو الواسع الضيق والله واسع على الإطلاق عليم بما أوجد الله عليه خلقه كما قال تعالى أعطى كل شئ خلقه ثم هدى أي بين الأمور على ما هي عليه بإعطاء كل شئ خلقه وأما كون القرن من نور فإن النور سبب الكشف والظهور إذ لولا النور ما أدرك البصر شيئا فجعل الله هذا الخيال نورا يدرك به تصوير كل شئ أي أمر كان كما ذكرناه فنوره ينفذ في العدم المحض فيصوره وجودا فالخيال أحق باسم النور من جميع المخلوقات الموصوفة بالنورية فنوره لا يشبه الأنوار وبه تدرك التجليات وهو نور عين الخيال لا نور عين الحس فافهم فإنه ينفعك معرفة كونه نورا فتعلم الإصابة فيه ممن لا يعلم ذلك وهو الذي يقول هذا خيال فاسد وذلك لعدم معرفة هذا القائل بإدراك النور الخيالي الذي أعطاه الله تعالى كما إن هذا القائل يخطئ الحس في بعض مدركاته وإدراكه صحيح والحكم لغيره لا إليه فالحاكم أخطأ لا الحس كذلك الخيال أدرك بنوره ما أدرك وما له حكم وإنما الحكم لغيره وهو العقل فلا ينسب إليه الخطاء فإنه ما ثم خيال فاسد قط بل هو صحيح كله وأما أصحابنا فغلطوا في هذا القرن فأكثر العقلاء جعل أضيقه المركز وأعلاه الفلك الأعلى الذي لا فلك فوقه وأن الصور التي يحوي عليها صور العالم فجعلوا واسع القرن الأعلى وضيقه الأسفل من العالم وليس الأمر كما زعموا بل لما كان الخيال كما قلنا يصور الحق فمن دونه من العالم حتى العدم كان أعلاه الضيق وأسفله الواسع وهكذا خلقه الله فأول ما خلق منه الضيق وآخر ما خلق منه ما اتسع وهو الذي يلي رأس الحيوان ولا شك أن حضرة الأفعال والأكوان أوسع ولهذا لا يكون للعارف اتساع في العلم إلا بقدر ما يعلمه من العالم ثم إنه إذا أراد أن ينتقل إلى العلم بأحدية الله تعالى لا يزال يرقى من السعة إلى الضيق قليلا قليلا فتقل علومه كلما رقى في العلم بذات الحق كشفا إلى أن لا يبقى له معلوم إلا الحق وحده وهو أضيق ما في القرن فضيقه هو الأعلى على الحقيقة وفيه الشرف التام وهو الأول الذي نظهر منه إذا أنبته الله في رأس الحيوان فلا يزال يصعد على صورته من الضيق وأسفله تسع وهو لا يتغير عن حاله

306

نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي    جلد : 1  صفحه : 306
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست