responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي    جلد : 1  صفحه : 289


شئ من هذا ما لم يوصله إليه السمع وكذلك القوة البصرية جعل الله العقل فقيرا إليها فيما توصله إليه من المبصرات فلا يعرف الخضرة ولا الصفرة ولا الزرقة ولا البياض ولا السواد ولا ما بينهما من الألوان ما لم ينعم البصر على العقل بها وهكذا جميع القوي المعروفة بالحواس ثم إن الخيال فقير إلى هذه الحواس فلا يتخيل أصلا إلا ما تعطيه هذه القوي ثم إن القوة الحافظة إن لم تمسك على الخيال ما حصل عنده من هذه القوي لا يبقى في الخيال منها شئ فهو فقير إلى الحواس وإلى القوة الحافظة ثم إن القوة الحافظة قد تطرأ عليها موانع تحول بينها وبين الخيال فيفوت الخيال أمور كثيرة من أجل ما طرأ على القوة الحافظة من الضعف لوجود المانع فافتقر إلى القوة المذكرة فتذكره ما غاب عنه فهي معينة للقوة الحافظة على ذلك ثم إن القوة المفكرة إذا جاءت إلى الخيال افتقرت إلى القوة المصورة لتركب بها مما ضبطه الخيال من الأمور صورة دليل على أمر ما وبرهان تستند فيه إلى المحسوسات أو الضرورات وهي أمور مركوزة في الجبلة فإذا تصور الفكر ذلك الدليل حينئذ يأخذه العقل منه فيحكم به على المدلول وما من قوة إلا ولها موانع وأغاليط فيحتاج إلى فصلها من الصحيح الثابت فانظر يا أخي ما أفقر العقل حيث لا يعرف شيئا مما ذكرناه إلا بوساطة هذه القوي وفيها من العلل ما فيها فإذا أنفق للعقل أن يحصل شيئا من هذه الأمور بهذه الطرق ثم أخبره الله بأمر ما توقف في قبوله وقال إن الفكر يرده فما أجهل هذا العقل بقدر ربه كيف قلد فكره وجرح ربه فقد علمنا إن العقل ما عنده شئ من حيث نفسه وأن الذي يكتسبه من العلوم إنما هو من كونه عنده صفة القبول فإذا كان بهذه المثابة فقبوله من ربه لما يخبر به عن نفسه تعالى أولى من قبوله من فكره وقد عرف أن فكره مقلد لخياله وأن خياله مقلد لحواسه ومع تقليده فهو غير قوي على إمساك ما عنده ما لم تساعده على ذلك القوة الحافظة والمذكرة ومع هذه المعرفة بأن القوي لا تتعدى خلقها وما تعطيه حقيقتها وأنه بالنظر إلى ذاته لا علم عنده إلا الضروريات التي فطر عليها لا يقبل قول من يقول له إن ثم قوة أخرى وراءك تعطيك خلاف ما أعطتك القوة المفكرة نالها أهل الله من الملائكة والأنبياء والأولياء ونطقت بها الكتب المنزلة فاقبل منها هذه الأخبار الإلهية فتقليد الحق أولى وقد رأيت عقول الأنبياء على كثرتهم والأولياء قد قبلتها وآمنت بها وصدقتها ورأت أن تقليدها ربها في معرفة نفسه أولى من تقليد أفكارها فما لك أيها العاقل المنكر لها لا تقبلها ممن جاء بها ولا سيما عقول تقول إنها في محل الايمان بالله ورسله وكتبه ولما رأت عقول أهل الايمان بالله تعالى إن الله قد طلب منها أن تعرفه بعد أن عرفته بأدلتها النظرية علمت إن ثم علما آخر بالله لا تصل إليه من طريق الفكر فاستعملت الرياضات والخلوات والمجاهدات وقطع العلائق والانفراد والجلوس مع الله بتفريغ المحل وتقديس القلب عن شوائب الأفكار إذ كان متعلق الأفكار الأكوان واتخذت هذه الطريقة من الأنبياء والرسل وسمعت أن الحق جل جلاله ينزل إلى عباده ويستعطفهم فعلمت إن الطريق إليه من جهته أقرب إليه من الطريق من فكرها ولا سيما أهل الايمان وقد سمعت قوله تعالى من أتاني يسعى أتيته هرولة وإن قلبه وسع جلال الله وعظمته فتوجه إليه بكله وانقطع من كل ما يأخذ عنه من هذه القوي فعند هذا التوجه أفاض الله عليه من نوره علما إلهيا عرفه بأن الله تعالى من طريق المشاهدة والتجلي لا يقبله كون ولا يرده ولذلك قال إن في ذلك يشير إلى العلم بالله من حيث المشاهدة لذكرى لمن كان له قلب ولم يقل غير ذلك فإن القلب معلوم بالتقليب في الأحوال دائما فهو لا يبقى على حالة واحدة فكذلك التجليات الإلهية فمن لم يشهد التجليات بقلبه ينكرها فإن العقل يقيد وغيره من القوي إلا القلب فإنه لا يتقيد وهو سريع التقلب في كل حال ولذا قال الشارع إن القلب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء فهو يتقلب بتقلب التجليات والعقل ليس كذلك فالقلب هو القوة التي وراء طور العقل فلو أراد الحق في هذه الآية بالقلب أنه العقل ما قال لمن كان له قلب فإن كل إنسان له عقل وما كل إنسان يعطي هذه القوة التي وراء طور العقل المسماة قلبا في هذه الآية فلذلك قال لمن كان له قلب فالتقليب في القلب نظير التحول الإلهي في الصور فلا تكون معرفة الحق من الحق إلا بالقلب لا بالعقل ثم يقبلها العقل من القلب كما يقبل من الفكر فلا يسعه سبحانه إلا أن يقلب ما عندك ومعنى قلب ما عندك هو أنك علقت المعرفة به عز وجل وضبطت عندك في علمك أمرا ما وأعلى أمر ضبطته في

289

نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي    جلد : 1  صفحه : 289
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست