responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي    جلد : 1  صفحه : 256


فجاء في الجواب توقيع آخر فيه مكتوب إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فقال وحشي ما أدري هل أنا ممن شاء أن يغفر له أم لا فجاء في الجواب توقيع ثالث فيه مكتوب يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم فلما قرأ وحشي هذا التوقيع قال الآن فأسلم رجعنا إلى التوقيع الأول فنقول فلما قرأ هذا التوقيع الصادق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد قال له حاجب الباب وهو الشارع إن التائب من الذنب كمن لا ذنب له فلما ورد عليه هذا الأمان عقيب ذلك الخوف الشديد وجد للأمان حلاوة ولذة لم يكن يعرفها قبل ذلك وقد قيل في ذلك أحلى من الأمن عند الخائف الوجل فعند ما يحصل له طعم هذه اللذة وشرع في الأعمال الصالحة وتطهر محله واستعد لمجالسة الملك فإنه يقول أنا جليس من ذكرني وتقوت معرفته به سبحانه وعلم ما يستحقه جلاله وعلم قدر من عصاه استحيا كل الحياء وذهبت لذته التي وجدها عند ورود وارد توبته عليه واطلع ورأى الحضرة الإلهية تطالبه بالأدب والشكر على ما أولاه من النعم فيكثر همه وغمه وتنتفي لذته ولهذا ترى العلماء بالله لا يرون في نومهم ما يراه المريدون أصحاب البدايات من الأنوار فإن المبتدئ يستحضر مستحسنات أعماله وأحواله فيرى نتائجها والعالمون ينامون على رؤية تقصير وتفريط لما يستحقه الجناب العالي فلا يرى في النوم إلا ما يهمهم من ظلمات ورعد وبرق وكل أمر مخوف فإن النوم تابع للحس ولما كانت النفس بطبعها تحب الأمور الملذوذة وقد فقدت لذة التوبة في حال معرفتها ونهايتها لذلك حنت إلى بدايتها من أجل ما اقترن بذلك الموطن من اللذة مع علو مقامه ويكون هذا الحنان استراحة لهمه وغمه الذي أعطته معرفته بالله فهو مثل الذي يلتذ بالأماني فهذا سبب حنين أصحاب النهايات إلى بدايتهم وأما المنازل السفلية فهي ما تعطيه الأعمال البدنية من المقامات العلوية كالصلاة والجهاد والصوم وكل عمل حسي وما تعطيه أيضا الأعمال النفسية وهي الرياضات من تحمل الأذى والصبر عليه والرضي بالقليل من ملذوذات النفوس والقناعة بالموجود وإن لم تكن به الكفاية وحبس النفس عن الشكوى فإن كل عمل من هذه الأعمال الرياضية والمجاهدات له نتائج مخصوصة ولكل عمل حال ومقام وقد أبان عن بعض ذلك الشارع ليستدل بما ذكره على ما سكت عنه من حيث اختلاف النتائج لاختلاف الصفات وتعريفا بأن النوافل من كل عبادة مفروضة صفتها من صفة فريضتها ولهذا تكمل له منها إذا كانت فريضته ناقصة ورد في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أول ما ينظر فيه من عمل العبد الصلاة فيقول الله انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها فإن كانت تامة كتبت له تامة وإن كان انتقص منها شيئا قال انظروا هل لعبدي من تطوع فإن كان له تطوع قال أكملوا لعبدي فريضته من تطوعه ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم وأما الحديث الآخر في صفات العبادات فإنه ورد في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها فجعل النور للصلاة والبرهان للصدقة وهي الزكاة والضياء للصوم والحج وهو المعبر عنه بالصبر لما فيها من المشقة للجوع والعطش وما يتعلق بأفعال الحج وجعل لا إله إلا الله في خبر آخر لا يزنها شئ ونوافل كل فريضة من هذه الفرائض من جنسها فصفتها كصفتها ثم أدخل في قوله كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها وهو الذي باعها من الله قال تعالى إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم أو موبقها وهو الذي اشترى الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فعم بقوله كل الناس يغدو فبائع نفسه جميع أحكام الشريعة نافلتها وفريضتها ومباحها ومكروهها فما من عبادة شرعها الله تعالى لعباده إلا وهي مرتبطة باسم إلهي أو حقيقة إلهية من ذلك الاسم يعطيه في عبادته تلك ما يعطيه في الدنيا في قلبه من منازله وعلومه ومعارفه وفي أحواله من كراماته وآياته وفي آخرته في جناته في درجاته ورؤية خالقه في الكثيب في جنة عدن خاصة في مراتبه وقد قال الله عز وجل في المصلي إنه يناجيه وهو نور فيناجيه الله تعالى من اسمه النور لا من اسم آخر فكما أن النور ينفر كل ظلمة كذلك الصلاة تقطع كل شغل بخلاف سائر الأعمال فإنها لا نعم ترك كل ما سواها مثل الصلاة فلهذا كانت نورا يبشره الله بذلك أنه إذا ناجاه من اسمه النور انفرد به وأزال كل كون بشهوده عند مناجاته ثم شرعها في المناجاة سرا

256

نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي    جلد : 1  صفحه : 256
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست