نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 387
ما يملأ الكون غير من قد جاد على الخلق بالوجود وذلك الحق لا سواه ما رتبة الرب كالعبيد من علم الحق علم ذوق لم يدر ما لذة السجود فنار جهنم لها نضج الجلود وحرق الأجسام ونار الله نار ممثلة مجسدة لأنها نتائج أعمال معنوية باطنة ونار جهنم نتائج أعمال حسية ظاهرة ليجمع لمن هذه صفته بين العذابين كما فعل بأهل الجزية في إعطائها عن يد وهم صاغرون فعذبهم بعذاب إخراج المال من أيديهم وبين الصغار والقهر الذي هو عذاب نفوسهم مما يجدون في ذلك من الحرج ألا ترى المنافق في الدرك الأسفل من النار فهو في نار الله لما كان عليه من إصرار الكفر وما له في الدرك الأول مقعد لما أتى به من الأعمال الظاهرة بخلاف الكافر فإن له من جهنم أعلاها وأسفلها فما عنده من يعصمه من نار الله ولا من نار جهنم وأما حكم الذي جحدها واستيقن الحق وأعتقده فإنه على ضد أو عكس عذاب المنافق فإنه عالم بالحق يتحقق به في نفسه ولم يظهر ذلك على ظاهر نشأته فأظهر خلاف ما أضمر والنار إنما تطلب من الإنسان من لم تظهر عليه صورة حق من ظاهر وباطن فالعلم للباطن كالعمل للظاهر والجهل للباطن كترك الواجب للظاهر وهنا يتبين للإنسان مراتب وأسباب المؤاخذات الإلهية لعباده في الدار الآخرة فإذا استوفيت الحدود عمت الرحمة من خزانة الجود وهو قوله وأما الذين شقوا ففي النار خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض الآية وهذا هو الحد الزماني لأن التبديل لا بد أن يقع بالسموات والأرض فتنتهي المدة عند ذلك وهو في حق كل إنسان من وقت تكليفه إلى يوم التبديل لأنه غير مخاطب ببقاء السماوات والأرض قبل التكليف وهذا في حق السعيد والشقي فهما في نتائج أعمالهما هذه المدة المعينة فإذا انتهت انتهى نعيم الجزاء الوفاق وعذاب الجزاء وانتقل هؤلاء إلى نعيم المنن الإلهية التي لم يربطها الله بالأعمال ولا خصها بقوم دون قوم وهو عطاء غير مجذوذ ما له مدة ينتهي بانتهائها كما انتهى الكفر والايمان هنا بانتهاء عمر المكلف وانتهت إقامة الحدود في الأشقياء والنعيم الجزائي في السعداء بانتهاء مدة السماوات والأرض إلا ما شاء ربك في حق الأشقياء إن ربك فعال لما يريد وكذا وقع الأمر بحسب ما تعلقت به المشيئة الإلهية وما قال تعالى في الأشقياء عذابا غير مجذوذ كما قال تعالى في السعداء فعلمنا بذكر مدة السماء والأرض وحكم الإرادة في الأشقياء والإعراض عن ذكر العذاب إن للشقاء مدة ينتهي إليها حكمه وينقطع عن الأشقياء بانقطاعها وأن جزاء السعيد على مثل ذلك ثم تعم المنن والرضي الإلهي على الجميع في أي منزل كانوا فإن النعيم ليس سوى ما يقبله المزاج وغرض النفوس لا أثر للأمكنة في ذلك فحيثما وجد ملائمة الطبع ونيل الغرض كان ذلك نعيما لصاحبه فاعلم ذلك ومتعلق الاستثناء معلوم في الطائفتين لما كان عليه الكافر من نعيم الحياة الدنيا من نيل أغراضه وصحة بدنه ولما كان عليه المؤمن من عدم نيل أغراضه وأمراضه في الدنيا كل ذلك من زمان تكليف كل واحد من الطائفتين والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ( الوصل الثاني عشر من خزائن الجود ) وهو الإهمال الإلهي فلا يدري صاحبه ما له فإن كل عبد استحق العقاب على مخالفته لما جاء الرسول إليه به فقد أمهله الله وما أخذه وهو تحت حكم سلطان الاسم الحليم فهو كالمهمل فلا يدري هل تسبق له العناية بالمغفرة والعفو قبل إقامة الحد الإلهي عليه بالحكم أو يؤخذ فيقام عليه حدود جناياته إلى أجل معلوم ولما كان هذا الاحتمال يسوع فيمن أمهله الله كانت صورة صاحب هذا الوصف صورة المهمل فإن الإهمال من جانب الحق ما يصح فإنه في علم الله السابق إما مغفور له وإما مؤاخذ بما جنى على نفسه فهو على خطر وعلى غير علم بما سبق له في الكتاب الماضي الحكم فإن الحكم يحكم على الحاكم العادل كما يحكم على المحكوم عليه فأما بالأخذ وإما بالعفو في الشخص الذي هو على نعت وحال يوجب له أحد الأمرين مما ذكرناه وليس إلا من أمهله الله فلم يؤاخذه في وقت المخالفة وكفى بالترقب للعارف العاصي الممهل الذي هو في صورة المهمل عذابا في حقه لأنه لا يدري ما عاقبة الأمر فيه وما من طائفة إلا وهي تحت ناموس شرعي حكمي أو وضع حكمي فلا تخلو أمة من مخالفة تقع منها لناموسها كان
387
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 387