responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي    جلد : 1  صفحه : 584


الوجه وهو زاهد من وجه ولهذا رجحنا قول من يقول إن الزكاة واجبة في المال لا على المكلف وإنما هو مكلف في إخراجها من المال إذ المال لا يخرج بنفسه فجمع العارف بين الاجرين بخلاف الزاهد والعارفون هم الكمل من الرجال فلهم الزهد والادخار والتوكل والاكتساب ولهم المحبة في جميع العالم كله وإن تفاضلت وجوه المحبة فيحبون جميع ما يقع في العالم بحب الله في إيجاد ذلك الواقع لا من جهة عين الواقع فاعلم ذلك فإن فيه دقيق مكر إلهي لا يشعر به إلا الأدباء العارفون فإن العارف يعلم أن فيه جزاء يطلب مناسبة من العالم فيوفي كل ذي حق حقه كما أعطى الله كل شئ خلقه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لنفسك عليك حقا ولعينك عليك حقا وهكذا كل جزء فيك ولهذا يشهد عليك يوم القيامة إذا استشهده الحق عليك وانظر في حكمة السامري حيث علم ما قال عيسى عليه السلام من أن حب المال ملصق بالقلوب صاع لهم العجل بمرأى منهم من حلبهم لعلمه أن قلوبهم تابعة لأموالهم فسارعوا إلى عبادته حين دعاهم إلى ذلك فالعارف من حيث سره الرباني مستخلف فيما بيده من المال فهو كالوصي على مال المحجور عليه يخرج عنه الزكاة وليس له فيه شئ فلذلك قلنا إنه حق في المال فإن الصغير لا يجب عليه شئ وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتجارة في مال اليتيم حتى لا تأكله الصدقة والعامي وإن كان مثل العارف في كونه جامعا فإن العامي لا يعلم ذلك فأضيف المال إليه فقيل له أموالكم فيخرج منها الزكاة فالعارف يخرجها إخراج الوصي والعامي يخرجها بحكم الملك فما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون وكلا الفريقين صادق في حاله وصاحب دليل إلهي فيما نسب إليه فلو لا المحبة ما فرضت الزكاة ليثابوا ثواب من رزئ في محبوبه ولولا المناسبة بين المحب والمحبوب لما كانت محبة ولا تصور وجودها ومن هنا تعلم حب العارف للمال من أي نسبة هو وحبه لله من أي نسبة هو ولا يقدح حبه في المال والدنيا في حبه لله وللآخرة فإن ما يحبه منه لأمر ما إلا ما يناسب ذلك الأمر في الإلهيات وفي العالم حبوا الله لما يغذوكم به من نعمه فصحت المناسبة ومن نعمه المعرفة به والعارف يطلبها منه فهي نسبة فقير إلى غني يطلب منه ما بيده له ليحصله فما طلب منه إلا أمرا حادثا إذ معرفة المحدث بالقديم معرفة حادثة فالمناسبة بينه وبين المعرفة الحدوث وهي بيد المعروف فيتعلق الحب بالمعروف لهذه المناسبة والمعرفة به لا تنقضي ولا تتناهى فالحب لا ينقضي وحصول مثل هذه المعرفة عن التجلي فالتجلي لا ينقضي فالمعرفة مال العارف وزكاة هذا المال التعليم وهي درجة إلهية قال تعالى واتقوا الله ويعلمكم الله فهو المعلم فلهذا قلنا إن التعليم درجة إلهية وجعل أصناف الزكاة ثمانية لما فيها من صلاح العالم فهي فيما تقوم به الأبدان من الغذاء وقضاء الحاجات مطلقا وفي هذين الأمرين صلاح العالم فهم حملة العرش الثمانية والعرش الذي هو الملك محمول لهم فمن تلك الحقيقة كانت في ثمانية أصناف مجمع عليها وما عداها مما اختلف فيه فهو راجع إليها ولما كان العرش الملك وكان حملة هذا العرش الذي هو عبارة عنا كان هؤلاء الأصناف الثمانية حملته وكان هذا القدر من المال المعبر عنه بالزكاة كالأجرة لحملهم ( وصل ) إنما سمي المال ما لا لأنه يميل بالنفوس إليه وإنما مالت النفوس إليه لما جعل الله عنده من قضاء الحاجات به وجبل الإنسان على الحاجة لأنه فقير بالذات فمال إليه بالطبع الذي لا ينفك عنه ولو كان الزهد في المال حقيقة لم يكن مالا ولكان الزهد في الآخرة أتم مقاما من الزهد في الدنيا وليس الأمر كذلك وقد وعد الله بتضعيف الجزاء الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف فلو كان القليل حجابا لكان الكثير منه أعظم حجابا ألا ترى إلى موطن التجلي والكشف وهو الدار الآخرة وهي محل الرؤية والمشاهدة مع تناول الشهوات النفسية مطلقا من غير تحجير وكلمة كن من كل إنسان فيها حاكمة فلو كان مثل هذا حجابا لكان حجاب الآخرة أكثف وأعظم بما لا يتقارب فسبحان من جعل له في كل شئ بابا إذا فتح ذلك الباب وجد الله عنده وعين في كل شئ وجها إلهيا إذا تجلى عرف ذلك الوجه من ذلك الشئ قال الصديق ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله فإنه لا يراه إلا بعينه إذ كان الحق بصره في هذا للوطن فيرى نفسه قبل رؤية ذلك الشئ والإنسان هو المحل لذلك البصر فلهذا قال ما رأيت شيئا لا رأيت الله قبله وسماها الله زكاة لما فيها من الربو والزيادة ولهذا تعطي قليلا وتجدها كثيرا فلو أعطيته لرفع الحجاب لكونه حجابا لكان الثواب حجبا كثيرة أعظم من هذا الحجاب فلم يكن بحمد الله ما أعطيته حجابا ولا ما وصلت إليه من ذلك حجابا

584

نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي    جلد : 1  صفحه : 584
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست