responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي    جلد : 1  صفحه : 274


يحصل لهم من استراق السمع من الملأ الأعلى فيظن جليسهم أن ذلك كرامة الله به وهيهات لما ظنوا ولهذا ما ترى أحدا قط جالسهم فحصل عنده منهم علم بالله جملة واحدة غاية الرجل الذي تعتني به أرواح الجن أن يمنحوه من علم خواص النبات والأحجار والأسماء والحروف وهو علم السيمياء فلم يكتسب منهم إلا العلم الذي ذمته ألسنة الشرائع ومن ادعى صحبتهم وهو صادق في دعواه فاسألوه عن مسألة في العلم الإلهي ما تجد عنده من ذلك ذوقا أصلا فرجال الله يفرون من صحبتهم أشد فرارا منهم من الناس فإنه لا بد أن تحصل صحبتهم في نفس من يصحبهم تكبرا على الغير بالطبع وازدراء بمن ليس له في صحبتهم قدم وقد رأينا جماعة ممن صحبوهم حقيقة وظهرت لهم براهين على صحة ما ادعوه من صحبتهم وكانوا أهل جد واجتهاد وعبادة ولكن لم يكن عندهم من جهتهم شمة من العلم بالله ورأينا فيهم عزة وتكبرا فما زلنا بهم حتى حلنا بينهم وبين صحبتهم لإنصافهم وطلبهم الأنفس كما أيضا رأينا ضد ذلك منهم فما أفلح ولا يفلح من هذه صفته إذا كان صادقا وأما الكاذب فلا نشتغل به ومنهم من نفس الرحمن عنه بمجالسة الملائكة ونعم الجلساء هم هم أنوار خالصة لا فضول عندهم وعندهم العلم الإلهي الذي لا مرية فيه فيرى جليسهم في مزيد علم بالله دائما مع الأنفاس فمن ادعى مجالسة الملأ الأعلى ولم يستفد في نفسه علما بربه فليس بصحيح الدعوى وإنما هو صاحب خيال فاسد ومنهم من ينفس الرحمن عنه بأنس بالله في باطنه وتجليات دائمة معنويات فلا يزال في كل نفس صاحب علم بحال جديد بالله وأنس جديد ومنهم من ينفس الرحمن عنه ذلك الضيق بمشاهدته عالم الخيال يستصحبه ذلك دائما كما يستصحب الرؤيا النائم فيخاطب ويخاطب ولا يزال في صور دائما في لذة وفي نكاح إن جاءته شهوة جماع ولا تكليف عليه ما دام في تلك الحال لغيبته عن إحساسه في الشاهد فينكح ويلتذ ويولد له في عالم الخيال أولاد فمنهم من يبقى له ذلك في عالمه ومنهم من يخرج ولده إلى عالم لشهادة وهو خيال على أصله مشهود للحس وهذا من الأسرار الإلهية العجيبة ولا يحصل ذلك إلا للأكابر من الرجال وما من طبقة ذكرناها إلا وقد رأينا منهم جماعة من رجال ونساء بإشبيلية وتلمسان وبمكة وبمواضع كثيرة وكانت لهم براهين تشهد بصحة ما يقولونه وأما نحن فلا نحتاج مع أحد منهم لبرهان فيما يدعيه فإن الله قد جعل لكل صنف علامة يعرف بها فإذا رأينا تلك العلامة عرفنا صدق صاحبها من حيث لا يشعروكم رأينا ممن يدعي ذلك كاذبا أو صاحب خيال فاسد فإن علمنا منه أنه يرجع نصحناه وإن رأيناه عاشقا لحاله محجوبا بخياله الفاسد تركناه وأصدق من رأينا في هذا الباب من النساء فاطمة بنت ابن المثنى بإشبيلية خدمتها وهي بنت خمس وتسعين سنة وشمس أم الفقراء بمرشانة وأم الزهراء بإشبيلية أيضا وكلبهار بمكة تدعى ست غزالة ومن الرجال أبو العباس بن المنذر من أهل إشبيلية وأبو الحجاج الشبربلي من قربة بشرف إشبيلية تسمى شبربل ويوسف بن صخر بقرطبة وهذا قد أعربنا لك عن أحوال رجال هذا الباب وما أنتج لهم الزهد في الناس وما وجدوه من نفس الرحمن لذلك وعلى هذا الحد تكون أعمال الجوارح كلها يجمعها ترك الفضول في كل عضو بما يستحقه ظاهرا وباطنا فأولها الجوارح وأعلاها في الباطن الفكر فلا يتفكر فيما لا يعينه فإن ذلك يؤديه إلى الهوس والأماني وعدم المسابقة بحضور النية في أداء العبادات فإن الإنسان لا يخلو فكره في أحد أمرين إما فيما عنده من الدنيا وإما فيما ليس عنده منها فإن فكر فيما عنده فليس له دواء عند الطائفة إلا الخروج عنه والزهد فيه صرح بذلك أبو حامد وغيره وإن فكر فيما ليس عنده فهو عند الطائفة عديم العقل أخرق لا دواء له إلا المداومة على الذكر ومجالسة أهل الله الذين الغالب على ظواهرهم المراقبة والحياء من الله والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ( الباب الثاني والخمسون في معرفة السبب الذي يهرب منه المكاشف إلى عالم الشهادة إذا أبصره ) كل من خاف على هيكله * لم ير الحق جهارا علنا فتراه عند ما يشهده * راجعا للكون يبغي البدنا وترى الشجعان قد ما طلبا * للذي يحذر منه الجبنا اعلم أيدك الله بروح منه أن النفوس الإنسانية قد جبلها الله على الجزع في أصل نشأتها فالشجاعة والإقدام لها أمر

274

نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي    جلد : 1  صفحه : 274
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست