منه في تقويم العقائد وتوضيحها [1] . وهنا يردد ابن عربي معنىّ سبقه إليه الغزالي في كتاب « الاقتصاد في الاعتقاد » .
و يفرق الشيخ بين ما يسميه « عقيدة العوام » التي تقوم مباشرة على تعاليم الكتاب والسنة الصحيحة ، - و « عقيدة علماء الكلام » التي دعاها بلغته الرمزية « العقيدة الناشية الشادية » ، ومبناها إعمال الفكر في موضوعات أو موادّ دينية ، - وأخيراً « عقيدة الخاصة » التي تعتمد على النظر العقلي المجرد ، بعيدةً عن مسائل الدين أو موضوعاته الأصلية . ويصرّح ابن عربي ، في مستهل عرضه لعقيدة علماء الكلام ، وفي آخر عقيدة الخواص ، أن عقيدته الخاصة - وهى « عقيدة خواص الخواص » - لم يذكرها مفردة أو على سبيل التجريد ، بل جعلها ، عن قصد ، مبددة ، مبعثرة في ثنايا الكتاب ، ضمن أجزائه وفصوله العديدة . - هذا ، ونود أن نشير ، في هذا الموطن ، إلى أن « عقيدة علماء الكلام » و « عقيدة أهل الاختصاص » هما من الزيادات التي أضيفت على النسخة الثانية للفتوحات ، ولا وجود لهما أصلاً في النص الأول للكتاب .
و يتناول ابن عربي في الجزء الرابع ، فكرة للعبادة الذاتية وصلتها بتكامل الشخصية ، وذلك في أسلوب رمزي أخّاذ ، برغم غموضة والتوائه . [2] ويلجأ إلى مناسك الحج ، ويبين ما فيها من أسرار روحية ، ودلالات صوفية [3] . وفي النصف الثاني من هذا الجزء ، والأجزاء الثلاثة التالية [4] ، يعرض « لعلم الحروف » الذي سيستكمله في السفر الثاني .
و هذا العلم عزيز على الصوفية عامة ، وعلى ابن عربي خاصة ، وعليه عوّل في منهجه الرمزي الذي توسع فيه توسعاً كبيراً . وبه يستعين في الحديث عن الكون وحقائقه الغيبية ، كما استعان بالأرثماطيقا والكسمولوجيا . ويصرح في رسالة « روح القدس » أنه وقف على هذا العلم كتاباً لخصه في « الفتوحات » . ولأمر مّا يدمج ابن عربي في حديثه عن الحروف مسألة لا صلة لها بها ، وهى نبوءة صوفيّ أندلسي آخر معاصر ، هو ابن بَرَّجان ( 536 ه ) . ولعلها كانت محل أخذ ورد حين ذاك .
و في ساعات المحنة تكثر النبوءات . وتتلخص هذه في أن ابن بّرَّجان تنبأ باستعادة بيت

[1] - المصدر السابق ، ص 124 وما بعدها .
[2] - المصدر السابق ، ص 169 وما بعدها .
[3] - المصدر السابق ، ص 177 وما بعدها .
[4] - المصدر السابق ، ص 186 وما بعدها .

32