نام کتاب : العرفان الشيعي نویسنده : شيخ خليل رزق جلد : 1 صفحه : 357
له ، فيكون بكلّيته منخرطاً في فلك القدس » [1] . فكأنّ الزهد والعبادة من غير العارف معاملتان ، فإنّ الزاهد غير العارف يجري مجرى تاجر يشتري متاعاً بمتاع ، والعابد غير العارف يجري مجرى أجير يعمل عملاً لأخذ أُجرة ، فالفعلان مختلفان ، لكن الغرض واحد . وأمّا العارف فزهده في الحالة التي يكون فيها متوجّهاً إلى الحقّ ، مُعرضاً عمّا سواه ، تنزّه عمّا يشغله عن الحقّ إيثاراً لما قصده . وفي الحالة التي يكون فيها ملتفتاً من الحقّ إلى سواه ، تكبّر على كلّ شيء غير الحقّ استحقاراً لما دونه . لذا عرّف الأنصاري الدرجة الثالثة من الزهد - وهي أعلى الدرجات - بقوله : « الزهد في الزهد ، وهو بثلاثة أشياء : باستحقار ما زهدت فيه ، واستواء الحالات فيه عندك ، والذهاب عن شهود الاكتساب ناظراً إلى وادي الحقائق » . قوله : « باستحقار ما زهدت فيه » إنّما يكون للزهد قيمة واعتبار عند الزاهد ، إذا كان في قلبه الميل إلى الدُّنيا واستعظام الطيّبات الأخرويّة ، فيترك ما يتعلّق به قلبه من متاع الدُّنيا لاستعظام ما يستعيضه منه . فإذا تحقّق بعظمة الحقّ تعالى بنور التجلّي ، استحقر في جنبها الآخرة وما فيها - فضلاً عن الدُّنيا الفانية التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة - فكانت الدُّنيا أحقر عنده من أن يزهد فيها لنظره إليها بنظر الفناء ، بل إلى الآخرة التي تركها لأجلها .