أعظم من أمر الملائكة بالسجود له [1] وإن لم تكن تلك السجدة إلَّا عبادة للَّه وطاعة له ، كما أنّ الأمر بالتوحيد العبوديّ ، ومدار النهي عن الشرك العباديّ هو : الأمر بالسجود للَّه ، والنهي عن السجود لغيره تعالى ، كما أنّ أساس عبادة الأشياء كلَّها وطاعتها له تعالى هو : السجود حسبما دلّ عليه قوله تعالى * ( « وَلِلَّه ِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرْضِ » ) * [2] . ثمّ إنّ الاعتناء بأمر المعاد قد أوجب أن يستدلّ اللَّه تعالى له تارة ، ويستشهد له أخرى ، ويمثّل له ثالثة . أمّا الاستدلال : فهو المستفاد من غير واحدة من الآيات الدالَّة على إطلاق القدرة من ناحية الفاعل ، وإمكان الإعادة كالبدء من ناحية القابل . وأمّا الاستشهاد : فهو المستنبط من غير واحدة من الآيات الدالَّة على أنّ وزان الموت والبعث هو وزان النوم واليقظة ، نحو قوله تعالى * ( « وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيه ِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْه ِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ » ) * [3] . وأمّا التمثيل له : فهو ما تقدّم من تأويل السجود بأنّ الإنسان من تراب ، ثمّ يعود فيه ، ثمّ يبعث منه ، فالمصلَّي الساجد للَّه في كلّ ركعة مرّتين يتمثّل له المعاد الذي إليه يصير ، فمن عثر على سرّ الصلاة يقف على مواقف القيامة ويراها كأنها قامت ، وتدعو نارها من أعرض وتولَّى ، فيجد ويجاهد ويجتهد في إخمادها ، كما هو المأثور عن الإمام زين العابدين - عليه السّلام - من وقوع حريق في حال صلاته عليه السّلام ، ولم يلتفت إليه حتّى فرغ من صلاته ، وقيل له عليه السّلام : ما الذي ألهاك عنها ؟ قال عليه السّلام : ألهتني عنها النار الكبرى [4] . والغرض : أنّ السجدتين تمثّلان للبدء والعود ، فتدبّر تجد سرّه . وممّا يشهد للاستناد بالسجود في نيل الفضل الخاصّ من الجنّة والحشر مع أهل
[1] طه : 116 . [2] النحل : 49 . [3] الأنعام : 60 . [4] مناقب آل أبي طالب : ج 4 ص 150 .