الصلاة . فانصب في الدعاء [1] . ولمّا لم يعيّن للتعقيب أمد خاصّ ، كما أنّه لم يحدّد للاستقبال زمان مخصوص ، وكان أيّ شيء يأتي على العبد السالك سبيل معبوده إنّما هو واجب أو مستحبّ ، ولا ينافي ما يفعله ما يقوله ويدعو به ويتلوه فهو دائم في صلاته ، فلذا يصحّ له أن يقول متأسّيا بمواليه الكرام الَّذين جعلهم اللَّه أسوة حسنة للناس * ( « إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّه ِ رَبِّ الْعالَمِينَ » ) * [2] ، وهذا العبد الصالح لا يهتمّ إلَّا بوجه اللَّه ، فهو من روح اللَّه كما نطق به الصادق المصدّق عليه السّلام ، ناقلا عن رسول اللَّه - صلَّى اللَّه عليه وآله - أنّه : « من أصبح من أمّتي وهمّه غير اللَّه فليس من اللَّه » [3] ، لدلالته على أنّ همّه هو اللَّه فهو منه تعالى ، أي : من وجهه الخاصّ . وقد جعل لذلك ميزان القسط يزن به كلّ سالك نفسه ، حتّى يتبيّن له أنّه من اللَّه الباقي ، أو من غيره الهالك ، وهو قول الصادق عليه السّلام : « من أراد أن يعلم ما له عند اللَّه فلينظر ما للَّه عنده » [4] ، إذ القلب مرآة لمقلَّب القلوب ، كما أنّه تعالى أيضا مرآة للقلب ، بل لكلّ ما عداه ، حيث إنّه ينكشف به كلّ ما عداه ، فمن أراد أن يرى ماله عند اللَّه فليتدبّر في قرآن قلبه الذي : إن كان صالحا يكتب اللَّه تعالى فيه الإيمان ، ويؤيّده بروح منه ، فإذا شاهد مرآة قلبه وتدبّرها يرى ما انطبع فيها ، أو تمثّل لها ممّا هو عند اللَّه ؛ لأنّ قلب المؤمن مرآة للَّه الذي هو المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبّر ، فينعكس فيها ما في مرآة ربّه ، فيعلم : أنّ له عند اللَّه شأنا من اللَّه ، وهو عنده تعالى وجيه أم لا . وهذا السالك وإن كان همّه هو اللَّه ولا يهتمّ بما عداه ولكنّه بعد يشاهد في مرآة قلبه ماله عند اللَّه ، فهو الآن يشاهد قلبه وما فيه الحاكي
[1] جامع أحاديث الشيعة : ج 5 ص 356 . [2] الأنعام : 162 . [3] المحاسن للبرقيّ : ج 1 ص 324 طبع المجمع العالميّ لأهل البيت عليهم السّلام . [4] المصدر السابق .